الدر النظيم - إبن حاتم العاملي - الصفحة ٣٨٤
وهي تنتظر الثواب (1).
وقال ضرار: كأني بأمير المؤمنين (عليه السلام) وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وهو في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين وهو يقول: يا دنيا إلي تعرضت أم إلي تشوقت، هيهات هيهات لا حان حينك، قد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك: فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك يسير. آوه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق (2).
وقال ضرار أيضا: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: أعجب ما في الانسان قلبه، وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها فإن سنح له الرجاء أذله الطمع، وإن مال به الطمع أهل له الحرص، وإن ملكه القنوط قتله الأسف، وإن عرض له الأسف اشتد به الغيظ، وإن سعد بالرضا نسي التحفظ، وإن ناله الخوف فضحه الجزع، وإن أفاد مالا أطغاه الغنى، وإن عضته فاقة فضحه الفقر، وإن جهده الجوع أقعده الضعف، وإن أفرط به الشبع كظته البطنة. فكل مقصر به مضر، وكل إفراط له مفسد (3).
قال: وسمعته ذات يوم يوصي كميل بن زياد فقال له: يا كميل ذب عن المؤمن فان ظهره حمى الله، ونفسه كريمة عليه، وظالمه خصم الله، فأحذركم ممن ليس له ناصر غير الله.
وقال (عليه السلام) في الليلة التي ضربه فيها ابن ملجم لعنه الله بعد حمد الله عز وجل والثناء عليه والصلاة على نبيه (صلى الله عليه وآله): كل امرء لاق ما يفر منه، والأجل تساق النفس إليه، والهرب منه موافاة، كم أطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله جل ذكره إلا إخفاءه، هيهات علم مكنون.
أما وصيتي: فالله لا تشركوا به، ومحمد لا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين، حمل كل امرء منكم مجهوده، وخفف عنكم الحملة رب رحيم ودين

(1) قريب منه في المعنى ما في نهج البلاغة: ص 106 خطبة 82.
(2) نهج البلاغة: ص 480 حكمة 77 مع اختلاف في بعض ألفاظها.
(3) نهج البلاغة: ص 487 حكمة 108 مع اختلاف يسير.
(٣٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 ... » »»