وحوله قوم، فسألهم عنه فقال: إن شريحا قضى علي قضية لم ينصفني فيها.
قال: وما شأنك؟ قال: إن هؤلاء النفر - وأومأ إلى نفر حضور - أخرجوا أبي معهم في سفر فرجعوا ولم يرجع، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله الذي استصحبه، قالوا: ما نعرف له مالا، فاستحلفهم شريح وتقدم إلي بترك التعرض لهم.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لقنبر: اجمع القوم وادع لي شرطة الخميس، ثم جلس ودعا النفر والحدث معهم، فسأله عما قال، فادعى الدعوى وجعل يبكي ويقول:
أنا والله أتهمهم على أبي يا أمير المؤمنين فإنهم احتالوا عليه حتى أخرجوه معهم وطمعوا في ماله.
فسأل أمير المؤمنين (عليه السلام) القوم، فقالوا كما قالوا لشريح: مات الرجل ولم نعرف له مالا فنظر أمير المؤمنين (عليه السلام) في وجوههم ثم قال لهم: ماذا تظنون؟
أتظنون اني لا أعلم ماذا صنعتم بأبي هذا الفتى؟! إني إذا لقليل العلم. ثم أمر بهم أن يفرقوا، ففرقوا إلى سطح المسجد وأقيم كل واحد منهم إلى جانب أسطوانة من أساطين المسجد، ثم دعا عبيد الله بن أبي رافع كاتبه يومئذ فقال له: اجلس، ثم دعا واحدا منهم فقال له: أخبرني ولا ترفع صوتك في أي يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الغلام معكم؟ فقال: في يوم كذا وكذا.
فقال لعبيد الله: اكتب. ثم قال له: في أي شهر كان؟ فقال: في شهر كذا.
قال: اكتب. قال: في أي سنة؟
قال: في سنة كذا.
قال: فكتب عبيد الله ذلك كله.
قال: فبأي مرض مات؟
قال: بمرض كذا.
قال: ففي أي منزل مات.
قال: في موضع كذا.