فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: الحرب خدعة، ثم قال ابن عباس: والله لئن أطعتني لأصدرن بهم بعد ورود ولأتركنهم ينظرون في دبر الأمور لا يعرفون وجهها في غير نقصان عليك ولا إثم لك. فقال:
يا بن عباس لست من هنياتك ولا هنيات معاوية في شئ، تشير علي فأرى رأيي، فإذا عصيتك فأطعني. فقال: افعل فأن أيسر ما لك عندي الطاعة.
وكان مسير أمير المؤمنين (عليه السلام) من الكوفة إلى صفين لخمس خلون من شوال سنة ست وثلاثين، واستخلف على الكوفة أبا مسعود الأنصاري فاجتاز في مسيره بالأنبار، ثم نزل الرقة فعقد جسرا وعبر عليه إلى الشام، ومعه تسعون ألف فارس.
وكان معاوية قد نزل في موضع أفيح (1) منهل إلى الشريعة، ونزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ما سوى ذلك من الأجراف العالية والأماكن الوعرة ووكل معاوية الأعور السلمي بالشريعة في أربعين ألف، وكان على مقدمته وبات علي (عليه السلام) في البر وبات جيشه عطاشى قد حيل بينهم وبين الورود.
فقال عمرو لمعاوية: إن عليا لا يموت عطشا هو وتسعون ألف وسيوفهم على عواتقهم، ولكن يشربون ونشرب. فقال معاوية: قد مات عثمان عطشانا.
وخرج علي (عليه السلام) يدور في عسكره ليلا فسمع قائلا يقول:
أيمنعنا القوم ماء الفرات * وفينا المناجون تحت الدجى وفينا الصلاة وفينا الصيام * وفينا عليا وفينا الهدى وسمع آخر يقول:
أيمنعنا القوم ماء الفرات * وفينا الرماح وفينا الحجف (2) وفينا علي له سورة * إذا خوفه الردى لم يخف ونحن غداة لقينا الزبير * وطلحة خصنا غمار التلف