فترس به عن نفسه فلم يزل في يده [وهو يقاتل] (1) حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب الباب فلم نقلبه (2).
وفي هذه بينة ظاهرة وحجة شاهدة بشدة بأسه وكمال قوته وشجاعته، فإن تناوله الباب بيده وتترسه به من أول القتال إلى آخره يقاتل بيد ويترس بأخرى مع عجز ثمانية من رجال الصحابة عن قلبها لما ألقاها دليل راجح وبرهان واضح، فهذا قدر يسير من جهاده ومقاماته وطرق مختصرة من تعداد مواقفه في غزواته وأمر صدر عنه بين يدي رسول الله (ص) أيام حياته وفرض قام به في قتال من كفر بالله تعالى وكذب بآياته يستدل بالمذكور منه على المعرض عنه ويقنع عما لم نشرع فيه بالمنطوق به، فالصنف شاهد النوع والنوع شاهد للجنس، ودلالة الكوكب على المبدع تعالى استتبعت دلالة القمر والشمس وفي ذلك ما يقضي لناظره بثبات القلب وسكون النفس ويلبس عليه حلل اليقين وينزع عنه ملابس اللبس، ومن بعده فأردفه بذكر شئ من مواقفه التي زلزل فيها ببأسه ثوابت الإقدام ومقاماته التي دفعته إليها الأقدار في مقاتلة بغاة الإسلام وحروبه التي أنذره بها رسول الله (ص) من قتاله الناكثين والقاسطين والمارقين الذين مرقوا من الدين مروق السهام الحاكمة له بشجاعته التي عزم جنانها في الهيجا أثبت من ثبير، ولظى حربها باحتزام النفوس يوم الكريهة أشد حرا من لهب السعير، وسبق ضربها إلى إزهاق المهج كونه من التقدير يمنع مسابقة التقدير، ويكفي في ذلك ما ستقوم به البينة إن شاء الله تعالى بذكر وقعة ليلة الهرير.
فمنها وقعة الجمل: فإن المجتمعين لها رفضوا عليا (عليه السلام) ونقضوا بيعته