في اليم ونهاها عن الخوف والحزن وأخبرها أنه يرده إليها فلما ألقته في اليم داخلها الاضطراب من النفس البشرية حتى كادت لتبدي به وتفضح أمرها لولا أن ربط الله عليها فلم تنطق مع اضطراب القلب، فلولا إن الله تعالى منح عليا (عليه السلام) قلبا متصفا بالقوة التامة التي هي الشجاعة لكان مع امتثال أمر النبي (ص) وأمنه من تطرق الأذى إليه لقول النبي (ص) له يضطرب بالنفس البشرية، فإن مبيت واحد بين زمر من الأعداء قاصدين الفتك به معاندين لدينه مظهرين عداوته ثم إقامته بينهم بعد خروج النبي (ص) ثلاث ليال بأيامهن ثم خروجه من بلدتهم في شعابها وطرقاتها بين جبالها المختلفة مقدما على مسيرها في أراضي الأعداء وحده مع كثرتهم من أوضح الأدلة وأرجح الحجج على شجاعة قد خصه الله بها، وشهامة منحه إياها.
وكان رسول الله (ص) إذا ألم مؤلم أو آلمه ملم أو أهم عارض أو عرض مهم ندب له عليا (عليه السلام) لما يعلمه من شجاعته وشهامته وخبرته ومعرفته وعزيمته ونهضته فيزدلف إلى ذلك الأمر ازدلاف السيل إلى الوهاد، ويكشف عنه باشتداد عزمه المعتاد، ويثقف منه بسداد سعيه أود المتاد كما نقل أبو محمد عبد الملك بن هشام في السيرة النبوية ما ملخصه: أن رفاعة بن زيد الجذامي قدم على رسول الله (ص) وكتب له رسول الله (ص) كتابا إلى قوم يدعوهم إلى الإسلام، فقدم عليهم بالكتاب ودعاهم إلى الإسلام فاستجابوا له، ثم إن زيدا بن حارثة جهزه رسول الله (ص) بجيش فاتفق أن الجيش أصابوا قوم رفاعة فقتلوا وأسروا وهم لا يعلمون حقيقة حالهم، فجاء من قوم رفاعة جماعة إليه فأعلموه فركب معهم إلى المدينة فدخل على النبي (ص) وعرض الكتاب، وقال: يا رسول الله دونك هذا قديما كتابه حديثا غدره.
فقال رسول الله (ص): (إقرأه)، فلما قرأه فأخبره الخبر قال مقدم جذام وهو مع رفاعة: يا رسول الله اطلق لنا من كان حيا ومن قتل فهو تحت قدمي هذه.
فحينئذ ندب النبي (ص) عليا (عليه السلام) ليمضي معهم فيطلق الأسارى ويسترجع ما أخذه الجيش من أموالهم.