بطشا وأعمر ديارا " وابعد آثارا فأصبحت أصواتهم خامدة من بعد طول تعليها وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية واستبدلوا بالقصورة المشيدة والسرر [المنضدة] والنمارق الممهدة، الصخور والأحجار المسندة في القبور اللاطئة الملحدة (1) التي قد بني للخراب فناؤها وشيد بالتراب بناؤها فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة وموحشين وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والإخوان على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى وأكلتهم الجنادل والثرى فأصبحوا بعد الحياة أمواتا " وبعد غضارة العيش رفاتا " فجع بهم الأحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم اياب، هيهات هيهات:
" كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " (2) فكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في دار المثوى وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو قد تناهت الأمور وبعثرت القبور، " وحصل ما في الصدور " (3) ووقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل فطارت القلوب لاشفاقها من سالف الذنوب وهتكت عنكم الحجب والأستار وظهرت منكم العيوب والاسرار، " هنالك تجزى كل نفس بما كسبت " ان الله عز وجل يقول: " ليجزى الذين أساؤا بما عملوا وليجزى الذين أحسنوا بالحسنى " (4) وقال: " ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا " ولا يظلم ربك أحدا " (5) جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه، متبعين لأوليائه حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله انه حميد مجيد (6).