تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١١٩
الخضر (ع) فكيف يستبيح دم الغلام لأجل الخشية والخشية لا تقتضي علما ولا يقينا؟.
(الجواب): قلنا: إن العالم الذي نعته الله تعالى في هذه الآيات فلا يجوز إلا أن يكون نبيا فاضلا، وقد قيل إنه الخضر عليه السلام، وأنكر أبو علي الجبائي ذلك وزعم أنه ليس بصحيح قال: لأن الخضر (ع) يقال إنه كان نبيا من أنبياء بني إسرائيل الذين بعثوا من بعد موسى (ع)، وليس يمتنع أن يكون الله تعالى قد أعلم هذا العالم ما لم يعلمه موسى، وأرشد موسى (ع) إليه ليتعلم منه، وإنما المنكر أن يحتاج النبي (ع) في العلم إلى بعض رعيته المبعوث إليهم. فأما أن يفتقر إلى غيره ممن ليس له برعية فجائز، وما تعلمه من هذا العالم إلا كتعلمه من الملك الذي يهبط عليه بالوحي، وليس في هذا دلالة على أن ذلك العالم كان أفضل من موسى في العلم، لأنه لا يمتنع أن يزيد موسى في سائر العلوم التي هي أفضل وأشرف مما علمه، فقد يعلم أحدنا شيئا من سائر المعلومات وإن كان ذلك المعلوم يذهب إلى غيره ممن هو أفضل منه وأعلم.
وأما نفي الاستطاعة فإنما أراد بها أن الصبر لا يخف عليك أنه يثقل على طبيعتك، كما يقول أحدنا لغيره: إنك لا تستطيع أن تنظر إلي. وكما يقال للمريض الذي يجهده الصوم وإن كان قادرا عليه: إنك لا تستطيع الصيام ولا تطيقه، وربما عبر بالاستطاعة عن الفعل نفسه كما قال الله تعالى حكاية عن الحواريين: ﴿هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء﴾ (1) فكأنه على هذا الوجه قال: إنك لن تصبر ولن يقع منك الصبر.
ولو كان إنما نفى القدرة على ما ظنه الجهال، لكان العالم وهو في ذلك سواء، فلا معنى لاختصاصه بنفي الاستطاعة، والذي يدل على أنه نفى عنه

(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»
الفهرست