تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٣٠
كان داود عليه السلام بما فعله راجعا إلى الله تعالى ومنقطعا إليه، قيل فيه إنه أناب، كما يقال في التائب الراجع إلى التوبة والندم إنه منيب.
فأما قوله تعالى: (فغفرنا له ذلك) فمعناه إنا قبلنا منه وكتبنا له الثواب عليه فأخرج الجزاء على وجه المجازات به، كما قال تعالى:
﴿يخادعون الله وهو خادعهم﴾ (1) وقال عز وجل: (الله يستهزئ بهم) فأخرج الجزاء على لفظ المجازي عليه.
قال الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا ولما كان المقصود في الاستغفار والتوبة إنما هو القبول، قيل في جوابه فغفرنا لك أي فعلنا المقصود به. كذلك لما كان الاستغفار على طريق الخضوع والعبادة المقصود به القربة والثواب، قيل في جوابه غفرنا مكان قبلنا.
على أن من ذهب إلى أن داود عليه السلام فعل صغيرة، فلا بد من أن يحمل قوله تعالى (غفرنا) على غير إسقاط العقاب، لأن العقاب قد سقط بما هناك من الثواب الكثير من غير استغفار ولا توبة، ومن جوز على داود عليه السلام الصغيرة، يقول إن استغفاره (ع) كان لأحد أمور:
أحدها أن أوريا بن حنان لما أخرجه في بعض ثغوره قتل، وكان داود (ع) عالما بجمال زوجته فمالت نفسه إلى نكاحها بعده، فقل غمه بقتله لميل طبعه إلى نكاح زوجته، فعوتب على ذلك بنزول الملكين من حيث حمله ميل الطبع، على أن قل غمه بمؤمن قتل من أصحابه.
وثانيها: أنه روى أن امرأة خطبها أوريا بن حنان ليتزوجها، وبلغ

(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»
الفهرست