تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٢٠
الصبر لاستطاعته قول موسى (ع) في جوابه: (ستجدني إن شاء الله صابرا) ولم قل ستجدني إن شاء الله مستطيعا. ومن حق الجواب أن يطابق الابتداء، فدل جوابه على أن الاستطاعة في الابتداء هي عبارة عن الفعل نفسه.
وأما قوله: (فلا أعصي لك أمرا) فهو أيضا مشروط بالمشيئة، وليس بمطلق على ما ذكر في السؤال، فكأنه قال ستجدني صابرا ولا أعصي لك أمرا إن شاء الله. وإنما قدم الشرط على الأمرين جميعا وهذا ظاهر في الكلام.
وأما قوله: (لقد جئت شيئا أمرا) فقد قيل أنه أراد شيئا عجبا، وقيل أنه أراد شيئا منكرا، وقيل إن الأمر أيضا هو الداهية. فكأنه قال جئت داهية.
وقد ذهب بعض أهل اللغة إلى أن الأمر مشتق من الكثرة من أمر القوم إذا كثروا، وجعل عبارة عما كثر عجبه، وإذا حملت هذه اللفظة على العجب فلا سؤال فيها، وإن حملت على المنكر كان الجواب عنها وعن قوله لقد جئت شيئا نكرا واحدا. وفي ذلك وجوه:
منها: أن ظاهر ما أتيته المنكر ومن يشاهده ينكره قبل أن يعرف علته.
ومنها: أن يكون حذف الشرط فكأنه قال إن كنت قتلته ظالما فقد جئت شيئا نكرا.
ومنها: أنه أراد أنك أتيت أمرا بديعا غريبا، فإنهم يقولون فيما يستغربونه ويجهلون علته أنه نكر ومنكر، وليس يمكن إن يدفع خروج الكلام مخرج الاستفهام والتقرير دون القطع. ألا ترى إلى قوله: (أخرقتها لتغرق أهلها) وإلى قوله: (أقتلت نفسا زكية بغير نفس). ومعلوم أنه إن كان قصد بخرق السفينة إلى التغريق، فقد أتى منكرا. وكذلك إن كان قتل النفس على سبيل الظلم.
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»
الفهرست