تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٢٣
فرقت بين الرجلين خشية أن يقتتلا، أي كراهة لذلك، وعلى هذا التأويل والوجه الذي قلنا أنه بمعنى العلم لا يمتنع أن تضاف الخشية إلى الله تعالى.
فإن قيل: فما معنى قوله تعالى ﴿أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر﴾ (1) والسفينة البحرية تساوي المال الجزيل، وكيف يسمى مالكها بأنه مسكين والمسكين عند قوم شر من الفقير؟ وكيف قال: (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) (2) ومن كان وراءهم قد سلموا من شره ونجوا من مكروهة وإنما الحذر مما يستقبل.
قلنا أما قوله: لمساكين ففيه أوجه:
منها أنه لم يعن بوصفهم بالمسكنة الفقر، وإنما أراد عدم الناصر وانقطاع الحيلة. كما يقال لمن له عدو يظلمه ويهضمه أنه مسكين ومستضعف وإن كان كثير المال واسع الحال. ويجري هذا مجرى ما روي عنه عليه السلام من قوله: " مسكين مسكين رجل لا زوجة له ". وإنما أراد وصفه بالعجز وقلة الحيلة وإن كان ذا مال واسع.
ووجه آخر: وهو أن السفينة الواحدة البحرية التي لا يتعيش إلا بها ولا يقدر على التكسب إلا من جهتها كالدار التي يسكنها الفقير هو وعياله ولا يجد سواها، فهو مضطر إليها ومنقطع الحيلة إلا منها. فإذا انضاف إلى ذلك أن يشاركه جماعة في السفينة حتى يكون له منها الجزء اليسير، كان أسوأ حالا وأظهر فقرا.
ووجه آخر: إن لفظة المساكين قد قرئت بتشديد السين وفتح النون، فإذا صحت هذه الرواية فالمراد بها البخلاء. وقد سقط السؤال. فأما قوله

(١) الكهف ٧٩ (2) الكهف 79
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»
الفهرست