تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١١٧
سبيل الاستخفاف، بل لا يمتنع أن يكون هارون (ع) خاف من أن يتوهم بنو إسرائيل لسوء ظنهم أنه منكر عليه معاتب له، ثم ابتدأ بشرح قصته فقال في موضع آخر: (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي (1) وفي موضع آخر: (ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) إلى آخر الآية، ويمكن أن يكون قوله: (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) ليس على سبيل الامتعاظ والأنفة (أي الغيرة)، لكن معنى كلامه:
(لا تغضب ولا يشتد جزعك وأسفك) لأنا إذا كنا قد جعلنا فعله ذلك دلالة الغضب والجزع فالنهي عنه في المعنى نهي عنهما.
وقال قوم إن موسى عليه السلام لما جرى من قومه من بعده ما جرى اشتد حزنه وجزعه، ورأى من أخيه هارون عليه السلام مثل ما كان عليه من الجزع والقلق، أخذ برأسه إليه متوجعا له مسكنا له، كما يفعل أحدنا بمن تناله المصيبة العظيمة فيجزع لها ويقلق منها. وعلى هذا الجواب يكون قوله " لا تشمت بي الأعداء " لا يتعلق بهذا الفعل، بل يكون كلاما مستأنفا.
وأما قوله على هذا الجواب " لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي "، فيحتمل أن يريد أن لا تفعل ذلك وغرضك التسكين مني فيظن القوم أنك منكر علي.
وقال قوم في هذه الآية إن بني إسرائيل كانوا على نهاية سوء الظن بموسى عليه السلام، حتى أن هارون (ع) كان غاب عنهم غيبة فقالوا لموسى أنت قتلته، فلما وعد الله تعالى موسى ثلاثين ليلة وأتمها له بعشر وكتب له في الألواح كل شئ وخصه بأمور شريفة جليلة الخطر بما أراه من الآية في الجبل ومن كلام الله تعالى له وغير ذلك من شريف الأمور، ثم رجع إلى أخيه، أخذ برأسه ليدنيه إليه ويعلمه ما جدده الله تعالى له من ذلك ويبشره به، فخاف هارون (ع) أن يسبق إلى قلوبهم ما لا أصل له، فقال إشفاقا على موسى

(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»
الفهرست