تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ٩٣
قلنا: إن العمل المستقذرة التي ينفر من رآها وتوحشه كالبرص والجذام فلا يجوز شئ منها على الأنبياء عليهم السلام لما تقدم ذكره في صدر هذا الكتاب، لأن النفور ليس بواقف على الأمور القبيحة، بل قد يكون من الحسن والقبيح معا. وليس ينكر أن يكون أمراض أيوب عليه السلام وأوجاعه. ومحنته في جسمه ثم في أهله وماله بلغت مبلغا عظيما يزيد في الغم والألم على ما ينال المجذوم، وليس ننكر تزايد الألم فيه (عليه السلام)، وإنما ننكر ما اقتضى التنفير.
فإن قيل: أفتقولون أن الغرض مما ابتلي به أيوب عليه السلام كان الثواب أو العوض أو هما على الاجتماع؟.
وهل يجوز أن يكون ما في هذه الآلام من المصلحة واللطف حاصلا في غيرها مما ليس بألم أم تمنعون من ذلك؟.
قلنا: أما الآلام التي يفعلها الله تعالى لا على سبيل العقوبة فليس يجوز أن يكون غرضه عز وجل فيها العوض من حيث كان قادرا على أن يبتدي بمثل العوض، بل الغرض فيها المصلحة وما يؤدي إلى استحقاق الثواب. فالعوض تابع والمصلحة أصل، وإنما يخرج بالعوض من أن يكون ظلما وبالغرض من أن يكون عبثا، فأما الألم، إذا كان فيه مصلحة ولطف، وهناك في المعلوم ما يقوم مقامه فيهما، إلا أنه ليس بألم. إما بأن يكون لذة أوليس بألم ولا لذة، ففي الناس من ذهب إلى أن الألم لا يحسن في هذا الموضع، وإنما يحسن بحيث لا يقوم مقامه ما ليس بألم في المصلحة، والصحيح أنه حسن. والله تعالى مخير في فعل أيهما شاء، والدليل على صحة ما ذكرناه أنه لو قبح والحال هذه، لم يخل من أن يكون إنما قبح من حيث كان ظلما أو من حيث كان عبثا. ومعلوم أنه ليس بظلم، لأن العوض الزايد العظيم الذي يحصل عليه يخرجه من كونه ظلما. وليس أيضا بعبث لأن العبث هو ما لا غرض فيه، أو ما ليس فيه غرض مثله. وهذا الألم فيه
(٩٣)
مفاتيح البحث: الأنبياء (ع) (1)، الجواز (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»
الفهرست