تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ٩١
سبيل المجاز. وليست لفظة العذاب بجارية مجرى لفظة العقاب، لأن لفظة العقاب يقتضي ظاهرها الجزاء لأنها من التعقيب والمعاقبة، ولفظة العذاب ليست كذلك. فأما إضافته ذلك إلى الشيطان، وإنما ابتلاه به فله وجه صحيح، لأنه لم يضف المرض والسقم إلى الشيطان، وإنما أضاف إليه ما كان يستضر به من وسوسته ويتعب به من تذكيره له ما كان فيه من النعم والعافية والرخاء، ودعائه له إلى التضجر والتبرم مما هو عليه، ولأنه كان أيضا يوسوس إلى قومه بأن يستقذروه ويتجنبوه ويستخفوه لما كان عليه من الأمراض الشنيعة المنتنة، ويخرجوه من بينهم. وكل هذا ضرر من جهة اللعين إبليس، وقد روي أن زوجته (ع) كانت تخدم الناس في منازلهم وتصير إليه بما يأكله ويشربه، وكان الشيطان لعنه الله تعالى يلقي إليهم أن داءه (ع) يعدي، ويحسن إليهم تجنب خدمة زوجته من حيث كانت تباشر قروحه وتمس جسده، وهذه مضار لا شبهة فيها. وأما قوله تعالى في سورة الأنبياء:
(وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) (1) فلا ظاهر لها أيضا يقتضي ما ذكروه، لأن الضر هو الضرر الذي قد يكون محنة كما يكون عقوبة.
فأما ما روي في هذا الباب عن جملة (جهلة) المفسرين فمما لا يلتفت إلى مثله، لأن هؤلاء لا يزالون يضيفون إلى ربهم تعالى وإلى رسله عليهم السلام كل قبيح ومنكر، ويقذفونهم بكل عظيم. وفي روايتهم هذه السخيفة ما إذا تأمله المتأمل علم أنه موضوع الباطل مصنوع، لأنهم رووا أن الله تعالى سلط إبليس على مال أيوب عليه السلام وغنمه وأهله، فلما أهلكهم ودمر عليهم ورأى من صبره (ع) وتماسكه، قال إبليس لربه يا رب إن أيوب قد علم أنك ستخلف عليه ماله وولده فسلطني على جسده، فقال تعالى قد

(1) الآية (83 - 84) من سورة الأنبياء.
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»
الفهرست