أحدهما: أنه أراد أن تزيين قتلي له وتركي لما ندبت إليه من تأخيره وتفويتي ما استحقه عليه من الثواب من عمل الشيطان.
والوجه الآخر: أنه يريد أن عمل المقتول من عمل الشيطان، مفصحا بذلك عن خلافه لله تعالى واستحقاقه للقتل.
وأما قوله (رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي)، فعلى معنى قول آدم عليه السلام (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) (1) والمعنى أحد وجهين: إما على سبيل الانقطاع والرجوع إلى الله تعالى والاعتراف بالتقصير عن حقوق نعمه وإن لم يكن هناك ذنب، أو من حيث حرم نفسه الثواب المستحق بفعل الندب.
وأما قوله (فاغفر لي) فإنما أراد به: فاقبل مني هذه القربة والطاعة والانقطاع. ألا ترى أن قبول الاستغفار والتوبة يسمى غفرانا؟ وإذا شارك هذا القبول غيره في معنى استحقاق الثواب والمدح به جاز أن يسمى بذلك، ثم يقال لم ذهب إلى أن القتل منه (ع) كان صغيرة، ليس يخلو من أن يكون قتله متعمدا وهو مستحق للقتل، وقتله عمدا وهو غير مستحق، أو قتله خطأ، وهو مستحق. والقسم الأول يقتضي أن لا يكون عاصيا جملة والثاني لا يجوز مثله على النبي (ع)، لأن قتل النفس عمدا بغير استحقاق لو جاز أن يكون صغيرة على بعض الوجوه جاز ذلك في الزنا وعظائم الذنوب، فإن ذكروا في الزنا وما أشبهه التنفير، فهو في القتل أعظم. وإن كان قتله خطأ غير عمد وهو مستحق أو غير مستحق، ففعله خارج من باب القبيح جملة. فما الحاجة إلى ذكر الصغيرة؟.