تعريض منه لأخيه بالتهمة، ثم إن أذن مؤذنه ونادى بأنهم سارقون ولم يسرقوا على الحقيقة؟.
(الجواب): قلنا: أما جعله السقاية في رحل أخيه، فالغرض فيه التسبب إلى احتباس أخيه عنده، ويجوز أن يكون ذلك بأمر الله تعالى، وقد روي أنه (ع) أعلم أخاه بذلك ليجعله طريقا إلى التمسك به، فقد خرج على هذا القول من أن يكون مدخلا على أخيه غما وترويعا بما جعله من السقاية في رحله، وليس بمعرض له للتهمة بالسرقة، لأن وجود السقاية في رحله يحتمل وجوها كثيرة غير السرقة، وليس يجب صرفه إليها إلا بدليل.
وعلى من صرف ذلك إلى السرقة من غير طريق اللوم في تقصيره وتسرعه، ولا ظاهر أيضا لوجود السقاية في الرحل يقتضي السرقة، لأن الاشتراك في ذلك قائم، وقرب هذا الفعل من سائر الوجوه التي يحتملها على حد واحد.
فأما نداء المنادي بأنهم سارقون فلم يكن بأمره (ع)، وكيف يأمر بالكذب وإنما نادى بذلك أحد القوم لما فقدوا الصواع، وسبق إلى قلوبهم أنهم سرقوه، وقد قيل إن المراد بأنهم سارقون أنهم سرقوا يوسف (ع) من أبيه وأوهموه أنهم يحفظونه فضيعوه، فالمنادي صادق على هذا الوجه، ولا يمتنع أن يكون النداء بإذنه (ع). غير أن ظاهر القصة واتصال الكلام بعضه ببعض يقتضي أن يكون المراد بالسرقة سرقة الصواع الذي تقدم ذكره وأحسوا فقده، وقد قيل إن الكلام خارج مخرج الاستفهام، وإن كان ظاهره الخبر كأنه قال: (إنكم لسارقون) فاسقط ألف الاستفهام كما سقطت في مواضع قد تقدم ذكرها في قصة إبراهيم (ع). وهذا الوجه فيه بعض الضعف لأن ألف الاستفهام لا تكاد تسقط إلا في موضع يكون على سقوطها دلالة في الكلام، مثل قول الشاعر:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط * غلس الظلام من الرباب خيالا