فأما عدوله عن التسمية بأمير المؤمنين واقتصاره على التسمية المجردة، فضرورة لحال دعت إليها. وقد سبق إلى مثل ذلك سيد الأولين والآخرين رسول الله صلى الله عليه وآله في عام الحديبية، وقصته مع سهل بن عمرو، وأنذره عليه السلام بأنه: ستدعى إلى مثل ذلك وتجيب على مضض. فكان كما أنذر وخبر رسول الله صلى الله عليه وآله. واللوم بلا اشكال زايل عما اقتدى فيه بالرسول صلى الله عليه وآله. وهذه جملة تفصيلها يطول، وفيها لمن انصف من نفسه بلاغ وكفاية.
في أن عليا لم يندم على التحكيم:
(مسألة): فان قيل فإذا كان عليه السلام من أمر التحكيم على ثقة ويقين فلم روي عنه (ع) انه كان يقول بعد التحكيم في مقام بعد آخر:
لقد عثرت عثرة لا تنجبر * سوف أكيس بعدها واستمر واجمع الرأي الشتيت المنتشر أوليس هذا اذعانا بأن التحكيم جرى على خلاف الصواب؟.
(الجواب): قلنا قد علم كل عاقل قد سمع الاخبار ضرورة ان أمير المؤمنين عليه السلام وأهله وخلصاء شيعته وأصحابه كانوا من أشد الناس اظهارا لوقوع التحكيم من الصواب والسداد موقعه، وان الذي دعي إليه حسن، والتدبير أوجبه، وأنه (ع) ما اعترف قط بخطأ فيه ولا اغضى عن الاحتجاج على من شك فيه وضعفه، كيف والخوارج انما ضلت عنه وعصته وخرجت عليه، لأجل انها ارادته على الاعتراف بالزلل في التحكيم فامتنع كل امتناع وأبي أشد اباء وقد كانوا يقنعون منه ويعاودون طاعته ونصرته بدون هذا الذي أضافوه إليه (ع) من الاقرار بالخطأ واظهار الندم. وكيف يمتنع من شئ ويعترف بأكثر منه، ويغصب من جزء ويجيب إلى كل هذا مما لا يظن به أحد ممن يعرفه حق معرفته. وهذا الخبر شاذ ضعيف، فإما ان يكون باطلا