تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٩٣
عن عدم افتائه بمذاهبه في أيام المتآمرين:
(مسألة): فإن قيل: إذا كنتم تروون عنه (ع) وتدعون عليه في أحكام الشريعة مذاهب كثيرة لا يعرفها الفقهاء له مذهبا، وقد كان عليه السلام عندكم يشاهد الامر يجري بخلافها، فإلا أفتى بمذاهبه ونبه عليها وارشد إليها. وليس لكم ان تقولوا انه (ع) استعمل التقية كما استعملها فيما تقدم، لأنه (ع) قد خالفهم في مذاهب استبد بها وتفرد بالقول فيها، مثل قطع السارق من الأصابع، وبيع أمهات الأولاد، ومسائل في الحدود، وغير ذلك مما مذهبه (ع) فيه إلى الآن معروف. فكيف اتقى في بعض وأمن في آخر؟ وحكم الجميع واحد في أنه خلاف في احكام شرعية لا يتعلق بإمامة ولا تصحيح نص ولا ابطال اختيار؟
(الجواب): قلنا: لم يظهر أمير المؤمنين عليه السلام في أحكام الشريعة خلافا للقوم إلا بحيث كان له موافق وان قل عدده، أو بحيث علم أن الخلاف لا يؤول إلى فساد ولا يقتضي إلى مجاهرة ولا مظاهرة. وهذه حال يعلمها الحاضر بالمشاهدة أو يغلب على ظنه فيها ما لا يعلمه الغائب ولا يظنه، واستعمال القياس فيما يؤدي إلى الوحشة بين الناس ونفار بعضهم من بعض لا يسوغ، لأنا قد نجد كثيرا من الناس يستوحشون في أن يخالفوا في مذهب من المذاهب غاية الاستيحاش، وان لم يستوحشوا من الخلاف فيما هو أعظم منه وأجل موقعا، ويغضبهم في هذا الباب الصغير ولا يغضبهم الكبير. وهذا انما يكون لعادات جرت وأسباب استحكمت، ولاعتقادهم ان بعض الأمور وان صغر في ظاهره، فإنه يؤدي إلى العظائم والكبائر. أو لاعتقادهم ان الخلاف في بعض الأشياء وإن كان في ظاهر الامر كالخلاف في غيره، لا يقع الا مع معاند منافس. وإذا كان الامر على ما ذكرناه لم ينكر أن يكون أمير المؤمنين (ع) انما لم يظهر في جميع مذاهبه التي خالف فيها القوم اظهارا واحدا، لأنه (ع) علم أو غلب في ظنه ان اظهار ذلك يؤدي من
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»
الفهرست