أثر محمد (ص) يلتقط ما يسقط منهم من متاع حتى أوقر (1)، ومثله أولاده... فشيبة بن عثمان بن أبي طلحة تعاهد هو وصفوان بن أمية على أنه إذا رأيا الدائرة (تدور) على رسول الله (ص) أن يكونا عليه فيقتلانه (2)، وقد عبرت جويرية بنت أبي جهل عن طبيعة إسلام القوم، يوم سمعت بلالا يؤذن على ظهر الكعبة بقولها: قد لعمري رفع لك ذكرك أما الصلاة فسنصلي، والله لا نحب من قتل الأحبة أبدا (3)، ومع هذا فإنهم خرجوا مع جيوش المسلمين المتوجهة إلى حنين كمسلمين، وعيينة بن حصن أحد قادة الجيش الإسلامي يستأذن من الرسول (ص) حتى يأتي حصن الطائف لإقناعهم بالاستسلام، ومع هذا يدخل الحصن، ويقول للمشركين: فداكم أبي وأمي، والله لقد سرني ما رأيت منكم...
والله ما لاقى محمد مثلكم قط، ولقد مل محمد اللقاء فاثبتوا في حصنكم... (4). ثم يعود إلى الرسول (ص) ليزعم بأنه قد حاول إقناع أهل الطائف فأخفق، والرسول ساكت، وهو يعلم أن عيينة كاذب ومنافق!!، وعيينة نفسه يعبر عن حقيقة وجوده فيقول: والله ما جئت معكم أقاتل ثقيفا، ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف فأصيب جارية من ثقيف لعلها تلد لي رجلا (5).
غزوة تبوك والزحف على بلاد الروم.
في هذا الوقت بالذات تواردت الأنباء إلى الرسول القائد (ص) من أن الروم أعدوا العدة لغزو الأجزاء الشمالية من الجزيرة العربية، التي تعتبر جزءا من الدولة الإسلامية فقرر الرسول (ص) أن يصدهم بنفسه.
وهكذا أصدر أوامره لاستنفار المسلمين في المدينة المنورة وخارجها، فلم يدع قوما من الناس إلا أجابوه لذلك، إلا أن المنافقين الأوائل من قريش، ممن أظهروا الإسلام خوفا من سطوة المسلمين بعد فتح مكة، راحوا يختلقون الأعذار حتى لا يخرجوا لقتال الروم، وكان أهم عذر عندهم في ذلك: شدة الحر وبعد المسافة بين المدينة وبلاد الروم، وقد حكى القرآن الكريم، ما كانوا يتذرعون به من وسيلة، منددا ومهاجما: (وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) (6).
ولم يقف المنافقون عند هذا الحد، بل راحوا يدعون الناس إلى التخلف عن الجيش الإسلامي، وأعدوا دارا لتجمعاتهم، فبلغ الرسول (ص) ذلك، فأحرق عليهم الدار أثناء اجتماعهم، ففروا هاربين: حيث لقنهم بذلك درسا لقاء خيانتهم للإسلام.
سار جيش الإسلام بقيادة رسول الله (ص)، وكان تعداده ثلاثين ألفا، وقد سمي ذلك الجيش (جيش العسرة) لشدة الحر، وبعد المسافة، وقلة المؤونة. وقد استخلف الرسول