لهذا الفاسق، فقال الشامي: من هذه الجارية؟ فقال يزيد: هذه فاطمة بنت الحسين] عليه السلام [(1)، وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب، فقال الشامي: الحسين بن فاطمة، وعلي بن أبي طالب؟ قال: نعم، فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد! أتقتل عترة نبيك وتسبي ذريته، والله ما توهمت إلا أنهم سبي الروم، فقال يزيد: لألحقنك بهم، ثم أمر به فضربت عنقه.
إن بلاغة زينب عليها السلام وشجاعتها الأدبية ليست من الأمور الخفية، وقد اعترف بها كل من كتب في وقعة كربلاء، ونوه بجلالتها أكثر أرباب التاريخ.
ولعمري إن من كان أبوها علي بن أبي طالب، الذي ملأت خطبه العالم، وتصدى لجمعها و تدوينها أكابر العلماء، وأمها فاطمة الزهراء، صاحبة خطبة فدك الكبرى، وصاحبة الخطبة الصغرى التي ألقتها على مسامع نساء قريش، ونقلها النساء لرجالهن.
نعم، إن من كانت كذلك فحرية بأن تكون بهذه الفصاحة والبلاغة، وأن تكون لها هذه الشجاعة الأدبية.
ويزيد الطاغية يوم ذاك هو السلطان الأعظم، والخليفة الظاهري على عامة بلاد الإسلام، تؤدي مختلف الفرق والأمم له الجزية، في مجلسه الذي أظهر فيه أبهة الملك، وملأه بهيبة السلطان، وقد جردت على رأسه السيوف، واصطفت حوله الجلاوزة، وهو وأتباعه على كراسي الذهب والفضة، وتحت أرجلهم الفرش من الديباج والحرير.
وهي صلوات الله عليها في ذل الأسر، دامية القلب، باكية الطرف، حرى الفؤاد من تلك الذكريات المؤلمة والكوارث القاتلة، قد أحاط بها أعداؤها من كل جهة، ودار عليها حسادها من كل صوب.
ومع ذلك كله ترمز للحق بالحق، وللفضيلة بالفضيلة، فتقول ليزيد: - غير مكترثة بهيبة ملكه، ولا معتنية بأبهة سلطانه: أمن العدل يا بن الطلقاء، وتقول له أيضا:
ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك: إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك.