رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٦٧
لهذا الفاسق، فقال الشامي: من هذه الجارية؟ فقال يزيد: هذه فاطمة بنت الحسين] عليه السلام [(1)، وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب، فقال الشامي: الحسين بن فاطمة، وعلي بن أبي طالب؟ قال: نعم، فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد! أتقتل عترة نبيك وتسبي ذريته، والله ما توهمت إلا أنهم سبي الروم، فقال يزيد: لألحقنك بهم، ثم أمر به فضربت عنقه.
إن بلاغة زينب عليها السلام وشجاعتها الأدبية ليست من الأمور الخفية، وقد اعترف بها كل من كتب في وقعة كربلاء، ونوه بجلالتها أكثر أرباب التاريخ.
ولعمري إن من كان أبوها علي بن أبي طالب، الذي ملأت خطبه العالم، وتصدى لجمعها و تدوينها أكابر العلماء، وأمها فاطمة الزهراء، صاحبة خطبة فدك الكبرى، وصاحبة الخطبة الصغرى التي ألقتها على مسامع نساء قريش، ونقلها النساء لرجالهن.
نعم، إن من كانت كذلك فحرية بأن تكون بهذه الفصاحة والبلاغة، وأن تكون لها هذه الشجاعة الأدبية.
ويزيد الطاغية يوم ذاك هو السلطان الأعظم، والخليفة الظاهري على عامة بلاد الإسلام، تؤدي مختلف الفرق والأمم له الجزية، في مجلسه الذي أظهر فيه أبهة الملك، وملأه بهيبة السلطان، وقد جردت على رأسه السيوف، واصطفت حوله الجلاوزة، وهو وأتباعه على كراسي الذهب والفضة، وتحت أرجلهم الفرش من الديباج والحرير.
وهي صلوات الله عليها في ذل الأسر، دامية القلب، باكية الطرف، حرى الفؤاد من تلك الذكريات المؤلمة والكوارث القاتلة، قد أحاط بها أعداؤها من كل جهة، ودار عليها حسادها من كل صوب.
ومع ذلك كله ترمز للحق بالحق، وللفضيلة بالفضيلة، فتقول ليزيد: - غير مكترثة بهيبة ملكه، ولا معتنية بأبهة سلطانه: أمن العدل يا بن الطلقاء، وتقول له أيضا:
ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك: إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك.

1 - فاطمة الصغرى بنت الحسين عليه السلام، هي من عالمات نساء أهل البيت عليهم السلام، تروي الحديث عن أبيها وعن أم سلمة وأم هاني، وعن عمتها زينب الكبرى، وعن أخيها زين العابدين، ويروي عنها ولدها عبد الله وغيره، استودعها أبوها الحسين عليه السلام مواريث الأنبياء، وسلمتها إلى السجاد بعد برئه من المرض، وكأن الله عز و جل صرف عن هذه المواريث أبصار الظالمين،. أم فاطمة هذه أم إسحاق بنت طلحة.
وفي الخبر: إن الحسن بن الحسن عليه السلام سأل عمه الحسين أن يزوجه إحدى ابنتيه، فاختار له الحسين عليه السلام فاطمة هذه، وقال له: هي أكثر شبها بأمي فاطمة بنت رسول الله عليهما السلام.
وخطبتها عليها السلام في الكوفة تنبئ أنها كانت على جانب عظيم من العلم والفضل، و في بعض الأخبار أنها كانت عندها أشياء من آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
توفيت في المدينة على الأصح، وقيل: بمصر.
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»