رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٢٠
الصلح مع الإمام الحسن (ع)، ونقضه العهد، وكان من أخطر ما قام به هو الفتك بالصلحاء من الشيعة، الذين كانوا يتصدون لمنكره، وللأحاديث الموضوعة التي كان يذيعها على ألسنة ولاته ووعاظ بلاطه.
إذن كانت المواقف الأخيرة التي وقفها الإمام الحسين (ع)، في وجه معاوية (ومن ثم ولده يزيد): تعتبر تباشير التحرك المضاد لعملية تنصيبه يزيد خليفة، وإلزامه الناس بالبيعة له، لا ريب أن إنكار الحسين (ع) لمسألة البيعة، وخروجه من مدينة الرسول (ص) إلى مكة متخفيا: لم يرض الدولة ولا أجهزتها، لذلك عزموا على محاولة اغتيال الحسين في مكة - على اعتباره الخطر الأول والأعظم في المعارضة على الأمويين، وقد جاء في بعض المصادر: إن يزيد بث من يغتاله ولو كان متعلقا بأستار الكعبة!! لذلك عرج الحسين إلى أرض العراق: لئلا يجر إلى المواجهة المسلحة مع رجال الدولة في منطقة الحرم، ذلك الأمر الذي لا يريده الحسين (ع)، بل يربأ بنفسه أن يقع فيه، ولا بد أن عيون بني أمية كانت تلاحق الحسين وتراقب تحركاته، في محاولة لصده عن ما يريد، وهو توجهه إلى الكوفة في العراق، التي تعتبر بنظر الأمويين قاعدة مهمة، للمعارضة الشيعية الموتورة من البيت الأموي، فقد صمم الحسين (ع) على التوجه إلى الكوفة، ولم تثنه العراقيل التي وضعت في طريقه، ولم تثبطه الاحتمالات، بل سار يسوقه الواجب الإلهي المفروض عليه، لكونه إماما للأمة، يجب عليه القيام بتلبية ندائها، لإتمام الحجة الظاهرة.
وأما المصير الغيبي المجهول، فكان يعلمه وينتظره بمنتهى الايمان بالله وقدره، ليس هذا فقط، بل كل من سمع جده النبي (ص) يتحدث عن كربلاء، أو شاهده وشاهد أباه عليا (ع) وهما يشمان تربتها ويتناولانها ويتعاطيانها ويستودعانها: كان يعلم بما تؤول إليه نهضة الحسين المباركة عليه السلام، وكان هذا المصير هو الدافع والقدر الإلهي الذي دفع الإمام الحسين إلى ذلك بكل ثبات، وغريب أمر أولئك الذين ينظرون إلى الموقف من زاوية المظاهر الحاضرة، ويحذفون من حساباتهم الأمور غير المنظورة، و يريدون أن يلقوا الكثير من علامات الاستفهام على حركته (ع) وخروجه إلى العراق و نهضته، على أساس أنه إمام عالم بالمصير، بل لابد أن يعرف كل شئ من خلال الغيب!
فكيف يقدم على ما أقدم عليه وهو عالم بما يحدث؟!.
والجواب، إن الإمام الحسين (ع) لو عمل طبقا لما يعلمه من أنباء الغيب التي علمها إياه جده رسول الله (ص)، لعاب عليه كل من يسمع الأخبار ويرى مجريات الأمور ويقرأ التاريخ.
إنه ترك دعوة الأمة له في التظاهر بالولاء ليزيد والطاعة له والمضي سرا في الوقوف بوجه حكام الجور، واستئصال شأفتهم، وذلك من خلال آلاف الكتب والعهود التي وصلته منهم، استنادا إلى احتمالات الخيانة والتخاذل، التي لم تظهر بوادرها إلا بالتخمين، حسب ماضي أهل الكوفة، وسيرتهم مع أبيه الإمام علي (ع)، وأخيه الإمام الحسن (ع).
فلو أطاع الإمام الحسين (ع) أولئك الناصحين له بعدم الخروج: لكان مطيعا لمن لم تجب عليه طاعتهم، وتاركا لنجدة من تجب عليه نجدتهم.
ورغم كل ذلك، فإن الواجب الإلهي المحتم عليه، يحدد مسيرته ويرسم له الخطط للقيام
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»