ايمانه وشجاعته وشخصيته، فقد غادر مكة المكرمة يوم الرابع عشر من شهر رمضان المبارك عام 60 للهجرة، قاصدا الكوفة، وسلمه كتابا منه إلى أهل الكوفة، وكتب فيه إليهم:.
بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى الملأ من المسلمين، أما بعد، فإن هانيا وسعيدا قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم أنه ليس علينا امام فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الهدى، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأي أحداثكم وذوي الفضل منكم، على مثل ما قدمت به رسلكم وتواترت به كتبكم، أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله، ولعمرى ما الامام إلا الحاكم القائم بالقسط ، الدائن بدين الله، الحابس نفسه على ذات الله (1).
ولما وصل سفير الحسين (ع)، مسلم بن عقيل، (ع) الكوفة: اجتمع إليه كبار الشيعة، و بايعوه فور معرفتهم بكتابه (ع)، واستقبلوه استقبالا لم يعهد من قبل مثله، وأخذ عدد المبايعين يزداد يوما بعد آخر، وبسبب الأوضاع الطارئة وانقلابها على يزيد و حكمه، وتصاعد الغليان في الكوفة: فقد كتبت رسالتان: إحداهما للحسين بن علي (ع)، والأخرى ليزيد بن معاوية.
فقد كتب مسلم بن عقيل إلى الحسين (ع) يدعوه بالتعجيل في القدوم: أما بعد، فإن الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا، فعجل حين يأتيك كتابي.
فيما كتب أعوان يزيد: أما بعد فإن مسلم بن عقيل قدم الكوفة وبايعته الشيعة للحسين بن علي، فإن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا، ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك، فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف، وأصبحت هاتان الرسالتان سببا لإجراءين.
فالرسالة الأولى لمسلم بن عقيل (ع) قد شخصت طريق الحسين (ع)، وحسمت قراره، وأعدت المقدمات لحركته (ع) نحو الكوفة: حيث أن التحرك في ذلك الوقت بالذات ومن مكة المكرمة، تلك البقعة التي يقصدها الناس من أقصى البلاد الاسلامية، للظفر بذلك الموسم المقدس، غير معهود أبدا، ويثير الدهشة فيما لو قام به مسلم عادي، ناهيك عن ابن رسول الله (ص).
لذلك فقد انتشر خبر رحيل الامام من مكة المكرمة وتوجهه إلى العراق في غضون برهة و جيزة من الوقت، وأصبح حديث الساعة، فأينما اجتمع نفر من الناس كان حديثهم عن هذا التحرك المفاجئ وأسبابه، وقد عرف أهل مكة فيما بعد، أن الحسين (ع) - بتركه المدينة حال موت معاوية، ومن ثم ترك مكة أثناء الموسم - أنه (ع) لا يعترف بحكومة يزيد، وقد خشي على نفسه هنا: حفاظا على حرمة بيت الله لئلا تنتهك، وكذلك علمهم بتصميم يزيد على قتل الحسين في مكة، ولو كان معلقا بأستار الكعبة!!