عاد ابن زياد، المنفذ الرئيسي لمجزرة كربلاء، إلى الكوفة يحمل في كفيه وزر الجريمة النكراء دون أن يرتعش لهولها أو يدخل في روعه الندم. فقد كان مستعدا للسير في خدمة النظام الأموي، وهو أحد أركانه، بلا حدود، بعيدا عن أي التزام يتعدى المصلحة الخاصة أو المكاسب الشخصية. لذلك نجده يدخل إلى المدينة التي كانت تمثل القاعدة الجماهيرية الأولى للحسين، والأرض التي كان ينبغي أن تشتعل فوقها الثورة، متحديا شامخا، وكأنه ينتظر وسام البطولة. ألم يصل به الامر ذروة التحدي حين وقف على منبر الكوفة في محاولة منه لتسويغ ما جرى في كربلاء متهجما على الحسين وواصفا إياه بالكذاب ابن الكذاب، وحين أمر بقتل أحد الكوفيين الذي انتقض عليه ورد على التحدي بمثله (1).
وكانت الكوفة حينئذ أشبه ببركان عشية الانفجار، فهي أكثر من غيرها تتحسس ثقل الذنب ومرارة الندم، باعتبارها طرفا مباشرا ومسؤولا في قضية الحسين. فهي