التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٢٠١
الإعوجاج، والتوبة والإنابة إلى الله تعالى والعمل بقوانينه وشرائعه.
وهذه الحقيقة نابعة من معادلة تقابل بين حقيقتين كونيتين:
أ - خيرية الله الشاملة المطلقة.
ب - الحقيقة الموضوعية الثابتة في الفكر الإسلامي، وهي أن الإنسان خلق ضعيفا (1).
وما يخالف هذه الحقيقة من الآلام والكوارث فهو على قسمين:
الأول - ناشئ عن عمل الطبيعة وقوانينها، وهي قوانين تعمل، في غرضها الأقصى، لخير الجنس البشري بصورة شاملة وغير مقيدة بزمان أو رقعة جغرافية، وهذا ما يجعلها قوانين عادلة وإن أصابت بالآلام بعضا من البشر في زمان بعينه أو مكان بعينه.
وهذا بالنسبة إلى الكوارث الطبيعية التي تحصل بغير تدخل من الإنسان أو تقصير منه. أما ما يحدث في الطبيعة نتيجة لعمل الإنسان نفسه أو سلبيته، أو عدم التزام بالقوانين (في عصرنا الحاضر: تلويث البيئة، مثلا، أو روح الاستغلال والعدوان في المجتمعات الصناعية ضد العالم الثالث، مثلا)... هذا النوع من الكوارث يدخل في القسم الثاني التالي.
الثاني - ناشئ عن سوء اختيار الإنسان، واستعجاله الخير قبل توفر شروطه ونضجها، ومن عدوان بعضه على بعض.
3 - الحقيقة الثالثة هي البشارة من الله تعالى بأن أمور الحياة والمجتمع تصير إلى أفضل وأحسن مما عليه في الحاضر. ولكن هذه البشارة لا تتحقق بطريقة إعجازية محضة.
إن تحقيق البشارة يتم وفاء بالوعد الإلهي، ومن ثم ففيها عنصر غيبي غير تجريبي، ولكن تحقيقها مشروط بالعمل البشري:
إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا (2).

(1) قال الله تعالى: يريد الله أن يخفف عنكم، وخلق الإنسان ضعيفا، سورة النساء (مدنية - 4) الآية: 28.
(2) سورة الإسراء (مكية - 17) الآية: 9.
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 197 198 199 200 201 202 203 204 205 » »»