كما يراه، إذ لا بد من أن يشعر مرتكب الجريمة بأنه مذنب ويعتبره المجتمع مذنبا.
ويقبض عليه رجال الشرطة بكل اقتناع، ثم يصدر قاضي المحكمة؟ وهو في غاية الاطمئنان ؟ حكما ضد ذلك الرجل. ولذلك كان لابد أن تكون كل جريمة ذنبا أيضا. وهذا هو ما يراه أصحاب المدرسة التاريخية من رجال القانون:
ان أي تشريع لن يصيب هدفه الا إذا كان مطابقا للاعتقادات السائدة عند المجتمع الذي وضع له ذلك القانون، ولو لم يطابق التشريع اعتقادات المجتمع، فلا بد من فشله (1).
هذا الرأي الذي عبرت عنه المدرسة التأريخية لرجال القانون غير صائب في مغزاه الحقيقي الذي يرمي اليه اطلاقا، ولكنه ذو صدق خارجي.
* * * ؟ 3 ان خوف الشرطة والمحكمة لا يكفي لدرء الجرائم، وانما لابد أن يكون هناك وازع في المجتمع يمنع الناس من ارتكاب الجرائم، لأن الرشاوي، والمحسوبيات، وخدمات المحامين البارعين، وشهود الزور؟ كل هذه العوامل تكفي لحماية المجرم من أية شرطة أو محكمة انسانية، والمجرم لا يرهب عقابا، أي عقاب، لو استطاع أن يفلت من أيدي القانون.
ان الشرع الإلهي يستوفي كل هذه الأمور، فعقيدة الآخرة، التي يحملها الشرع الإلهي، هي خير وازع عن ارتكاب الجرائم، وهي تكفي لتبقى احساسا بالجريمة واللوم يعتمل في قرارة ضمير الانسان، لو أدلى بشهادة كاذبة أمام القاضي.
لقد أقيم في فناء محكمة ويستون سركيت نصب من حجر، يذكر الناس، بشاهد أدلى بشاهدة زور في فناء الدار، ثم قال: وإن كنت كاذبا، فليمتني الله، هنا، في الحال! ولم تكد هذه العبارة تخرج من فم الشاهد حتى سقط على ساحة الأرض، ومات في الحال (2)!! وهناك وقائع أخرى من هذا النوع حدثت لشدة احساس أصحابها باللوم والذنب.
* * * ان قرارات البرلمانات لن تخلق في الجماهير شعورا بشناعة فعل ما، الا إذا كانت معتمدة من القانون الإلهي، وراسخة في معتقدات المجتمع.
والوازع الذي يمنع من ارتكاب الجرائم ليس هو الدين في حد ذاته، فإنه لا يقدم لنا تشريعا فحسب، وانما يخبرنا أن صاحب هذا التشريع يشاهد كل أعمالنا من خير وشر..
فنياتنا وأقوالنا وحركاتنا بأكملها تسجل بواسطة أجهزة هذا المشرع، ولسوف نقف بعد الممات أمامه، ولن نستطيع ان نفرض ستارا على أدنى أعمالنا.