تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق٢ - الصفحة ٥
ابن عبد العزى وقد مر ذكرهما في بنى عامر بن صعصعة وكان أهله يتوسمون فيه علامات الخير والكرامات من الله ولما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم شق الملكين بطنه واستخراج العلقة السوداء من قلبه وغسلهم حشاه وقلبه بالثلج ما كان وذلك لرابعة من مولده وهو خلف البيوت يرعى الغنم فرجع إلى البيت منتقع اللون وظهرت حليمة على شأنه فخافت أن يكون أصابه شئ من اللمم فرجعته إلى أمه واسترابت آمنة برجعها إياه بعد حرصها على كفالته فأخبرتها الخبر فقالت كلا والله لست أخشى عليه وذكرت من دلائل كرامة الله له وبه كثيرا وأزارته أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابن زهرة أخوال جده عبد المطلب من بنى عدى بن النجار بالمدينة وكانوا أخوالا لها أيضا وهلك عبد المطلب لثمان سنين من ولادته وعهد به إلى ابنه بنت أبي طالب فأحسن ولايته وكفالته وكان شأنه في رضاعه وشبابه ومرباه عجبا وتولى حفظه وكلاءته من مفارقة أحوال الجاهلية وعصمته من التلبس بشئ منها حتى لقد ثبت أنه مر بعرس مع شباب قريش فلما دخل على القوم أصابه غشى النوم فما آفاق حتى طلعت الشمس وافترقوا ووقع له ذلك أكثر من مرة وحمل الحجارة مع عمه العباس لبنيان الكعبة وهما صبيان فأشار عليه العباس بحملها في إزاره فوضعه على عاتقه وحمل الحجارة فيه وانكشف فلما حملها على عاتقه سقط مغشيا عليه ثم عاد فسقط فاشتمل إزاره وحمل الحجارة كما كان يحملها وكانت بركاته تظهر بقومه وأهل بيته ورضعائه في شؤنهم كلها وحمله عمه أبو طالب إلى الشأم وهو ابن ثلاث عشرة وقيل ابن سبع عشرة فمروا ببحيرا الراهب عند بصرى فعاين الغمامة تظله والشجر تسجد له فدعا القوم وأخبرهم بنبوته وبكثير من شأنه في قصة مشهورة ثم خرج ثانية إلى الشأم تاجرا بمال خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى مع غلامها ميسرة ومروا بنسطور الراهب فرآى ملكين يظلانه من الشمس فأخبر ميسرة بشأنه فأخبر بذلك خديجة فعرضت نفسها عليه وجاء أبو طالب فخطبها إلى أبيها فزوجه وحضر الملا من قريش وقام أبو طالب خطيبا فقال الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد وعنصر مضر وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا امناء بيته وسواس حرمه وجعلنا الحكام على الناس وان ابن أخي محمد بن عبد الله من قد علمتم قرابته وهو لا يوزن بأحد الا رجح به فإن كان في المال قل فان المال ظل زائل وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها من الصداق ما عاجله وآجله من مالي كذا وكذا وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن خمس وعشرين سنة وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة وشهد بنيان الكعبة لخمس وثلاثين من مولده حين أجمع كل قريش على هدمها وبنائها ولما انتهوا
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»