تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق٢ - الصفحة ٣
والجعلان وأشرف طعامهم أوبار الإبل إذا أمروها في الحرارة في الدم وأعظم عزهم وفادة على آل المنذر وآل جهينة وبنى جعفر ونجعة من ملوكهم وانما كان تنافسهم المؤودة والسائبة والوصيلة والحامي فلما تأذن الله بظهورهم واشرأبت إلى الشرف هوادى أيامهم وتم أمر الله في اعلاء امرهم وهبت ريح دولتهم وملة الله فيهم تبدت تباشير الصباح من أمرهم وأونس الخير والرشد في خلالهم وأبدل الله بالطيب الخبيث من أحوالهم وشرهم واستبدلوا بالذل عزا وبالمآثم متابا وبالشر خيرا ثم بالضلالة هدى وبالمسغبة شبعا وريا وإيالة وملكا وإذا أراد الله أمرا يسر أسبابه فكان لهم من العز والظهور قبل المبعث ما كان وأوقع بنو شيبان وسائر بكر بن وائل وعبس بن غطفان بطيئ وهم يومئذ ولاة العرب بالحيرة وأميرها منهم قبيصة بن اياس ومعه الباهوت صاحب مسلحة كسرى فأوقعوا بهم الوقعة المشهورة بذي قار والتحمت عساكر الفرس وأخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالمدينة ليومها وقال اليوم انتصفت العرب من العجم وبى نصروا ووفد حاجب بن زرارة من بنى تميم على كسرى في طلب الانتجاع والمبرة بقومه في اباب العراق فطلب الأساورة منه الرهن على عادتهم فأعطاهم قوسه واستكبر عن استرهان ولده توقعوا منه عجزا عما سواها وانتقلت خلال الخير من العجم ورجالات فارس فصارت أغلب في العرب حتى كان الواحد منهم همه بخلافه وشرفه وغلب الشر والسفسفة على أهل دول العجم وانظر فيما كتب به عمر إلى أبي عبيد بن المثنى حين وجهه إلى حرب فارس انك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والحيرة تقدم على أقوام قد جرأوا على الشر فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون اه‍ وتنافست العرب في الخلال وتنازعوا في المجد والشرف حسبما هو مذكور في أيامهم وأخبارهم وكان حظ قريش من ذلك أوفر على نسبة حظهم من مبعثه وعلى ما كانوا ينتحلونه من هدى آبائهم وانظر ما وقع في حلف الفضول حيث اجتمع بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة وبنو تميم فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس الا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته وسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول (وفى الصحيح) عن طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب ان لي به حمر النعم ولو دعى به في الاسلام لأجبت ثم القى الله في قلوبهم التماس الدين وانكار ما عليه قومهم من عبادة الأوثان حتى لقد اجتمع ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وعثمان بن الحويرث بن أسد وزيد بن عمرو بن نفيل من بنى عدى بن كعب عم عمر بن الخطاب وعبيد الله بن جحش من بنى أسد بن خزيمة وتلاوموا في عبادة الأحجار والأوثان
(٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»