تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ٨٢
وكان ذلك لأربعين سنة من عمره فلقى عند مائهم بنتين لعظيم من عظمائهم فسقى لهما وجاءتا به إلى أبيهما فزوجه بإحداهما كما وقع في القرآن الكريم وأكثر المفسرين على أنه شعيب بن نوفل بن عيقا بن مدين وهو النبي صلى الله عليه وسلم (وقال الطبري) الذي استأجر موسى وزوجه بنته رعويل وهو بيتر حبر مدين أي عالمهم وان رعويل هو الذي زوجه البنت وان اسمه يبتر وعن الحسن البصري انه شعيب رئيس بنى مدين وقيل إنه ابن أخي شعيب وقيل ابن عمه فأقام عند شعيب صهره مقبلا على عبادة ربه إلى أن جاءه الوحي وهو ابن ثمانين سنة وأوحى إلى أخيه هارون وهو ابن ثلاث وثمانين سنة فأوحى الله إليهما بأن يأتيا فرعون ليبعث معهما بنى إسرائيل فيستنقذانهم من مملكة القبط وجور الفراعنة ويخرجون إلى الأرض المقدسة التي وعدهم الله بملكها على لسان إبراهيم وإسحاق ويعقوب فخرجا إليه وبلغا بنى إسرائيل الرسالة فآمنوا به واتبعوه ثم حضرا إلى فرعون وبلغاه أمر الله بأن يبعث معهما بنى إسرائيل وأراه موسى عليه السلام معجزة العصا فكان من تكذيبه وامتناعه واحضار السحرة لما رآى من موسى في معجزته ثم اسلامهم ما نصه القرآن العظيم ثم تمادى فرعون في تكذيبه ومناصبته واشتد جوره على بنى إسرائيل واستعبادهم واتخاذهم سخريا في مهنة الاعمال فأصابت فرعون وقومه الجوائح العشرة واحدة بعد أخرى يسالمهم عند وقوعها ويتضرع إلى موسى في الدعاء بانجلائها إلى أن أوحى الله إلى موسى بخروج بنى إسرائيل من مصر ففي التوراة انهم أمروا عند خروجهم أن يذبح أهل كل بيت حملا من الغنم ان كان كفايتهم أو يشتركون مع جيرانهم ان كان أكثر وان ينضحوا دمه على أبوابهم لتكون علامة وأن يأكلوه سواء برأسه وأطرافه ومعناه لا يكسرون منه عظما ولا يدعون شيئا خارج البيوت وليكن خبزهم فطيرا ذلك اليوم وسبعة أيام بعده وذلك في اليوم الرابع عشر من فصل الربيع وليأكلوا بسرعة وأوساطهم مشدودة وخفافهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم ويخرجوا ليلا وما فضل من عشائهم ذلك يحرقوه بالنار وشرع هذا عيدا لهم ولأعقابهم ويسمى عيد الفصح وفى التوراة أيضا انه قتل في تلك الليلة أبكار النساء من القبط ودوابهم ومواشيهم ليكون لهم بذلك ثقل عن بنى إسرائيل وانهم أمروا أن يستعيروا منهم حليا كثيرا يخرجون به فاستعاروه وخرجوا في تلك الليلة بما معهم من الدواب والانعام وكانوا ستمائة ألف أو يزيدون وشغل القبط عنهم بالمآتم التي كانوا فيها على موتاهم وأخرجوا معهم تابوت يوسف عليه السلام استخرجه موسى صلوات الله عليه من المدفن الذي كان به بالهام من الله تعالى وساروا لوجههم حتى انتهوا إلى ساحل البحر بجانب الطور
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»