تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ٧٧
الولاية بمصر إلى أن جاء الله بالاسلام وصاحب القبط بمصر والإسكندرية المقوقس واسمه جريج بن مينا فيما نقله السهيلي فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب ابن أبي بلتعة وجبرا مولى أبى رهم الغفاري فقارب الاسلام وأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته المعروفة ذكرها أهل السير كان فيها البغلة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبها وتسمى دلدل والحمار الذي يسمى يعفور ومارية القبطية أم ولده إبراهيم وأمها وأختها سيرين وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن وقدح من قوارير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب فيه وعسل استظرفه له من بنها احدى قرى مصر معروفة بالعسل الطيب ويقال ان هرقل لما بلغه شأن هذه الهدية اتهمه بالميل إلى الاسلام فعزله عن رياسة القبط وخرج مسلم في صحيحه من رواية أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا افتتحتم مصر أو إنكم مستفتحون مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فان لهم ذمة ورحما أو صهرا ورواه ابن إسحاق عن الزهري وقال قلت للزهري ما الرحم التي ذكر قال كانت هاجر أم إسماعيل منهم ولبعض رواة الحديث في تفسير الصهر أن مارية أم إبراهيم منهم أهداها له المقوقس وكانت من كورة حفن من عمل أنصناء وقال الطبري ان عمرو بن العاص لما ملك مصر أخبرهم بوصية النبي صلى الله عليه وسلم بهم فقال هذا نسب لا يحفظ حقه الا نبي لأنه نسب بعيد وذكروا له أن هاجر كانت امرأة لملك من ملوكنا ووقعت بيننا وبين أهل عين شمس حروب كانت لهم في بعضها دولة فقتلوا الملك وسبوها ومن هنا لك تسيرت إلى أبيكم إبراهيم ولما كمل فتح مصر والإسكندرية وارتحل الروم إلى القسطنطينية أقام المقوقس والقبط على الصلح الذي عقده لهم عمرو بن العاص وعلى الجزى وأبقوه على رياسة قومه وكانوا يشاورونه فيما ينزل من المهمات إلى أن هلك وكان ينزل الإسكندرية وفي بعض الأوقات ينزل منف من أعمال مصر واختط عمرو بن العاص الفسطاط بموضع خيامه التي كان يحاصر مصر منها فنزل بها المسلمون وهجروا المدينة التي كان بها المقوقس إلى أن خربت وكان في خرابها ومهلك المقوقس انقراض أمرهم وبقي أعقابهم إلى هذا الزمان يستعملهم أهل الدول الاسلامية في حسابات الخراج وجبايات الأموال لقيامهم عليها وغنائهم فيها وكفايتهم في ضبطها وتنميتها وقد يهاجر بعضهم إلى الاسلام فترفع رتبتهم عند السلطان في الوظائف المالية التي أعلاها في الديار المصرية رتبة الوزارة فيقلدونهم إياها ليحصل لهم بذلك قرب من السلطان وحظ عظيم في الدولة وبسطة يد في الجاه تعددت منهم في ذلك رجال وتعينت
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 74 75 76 77 78 81 82 83 84 ... » »»