فشأن هذه الملكة بالأندلس أكثر وتعليمها أيسر وأسهل بما هم عليه لهذا العهد كما قدمناه من معاناة علوم اللسان ومحافظتهم عليها وعلى علوم الأدب وسند تعليمها ولان أهل اللسان العجمي الذين تفسد ملكتهم إنما هم طارئون عليهم وليست عجمتهم أصلا للغة أهل الأندلس والبربر في هذه العدوة وهم أهلها ولسانهم لسانها إلا في الأمصار فقط وهم فيها منغمسون في بحر عجمتهم ورطانتهم البربرية فيصعب عليهم تحصيل الملكة اللسانية بالتعليم بخلاف أهل الأندلس واعتبر ذلك بحال أهل المشرق لعهد الدولة الأموية والعباسية فكان شانهم شان أهل الأندلس في تمام هذه الملكة وإجادتها لبعدهم لذلك العهد عن الأعاجم ومخالطتهم إلا في القليل فكان أمر هذه الملكة في ذلك العهد أقوم وكان فحول الشعراء والكتاب أوفر لتوفر العرب وأبنائهم بالمشرق وانظر ما اشتمل عليه كتاب الأغاني من نظمهم ونثرهم فان ذلك الكتاب هو كتاب العرب وديوانهم وفيه لغتهم وأخبارهم وأيامهم وملتهم العربية وسيرتهم وآثار خلفائهم وملوكهم وأشعارهم وغناؤهم وسائر معانيهم له فلا كتاب أوعب منه لأحوال العرب وبقي أمر هذه الملكة مستحكما في المشرق في الدولتين وربما كانت فيهم أبلغ ممن سواهم ممن كان في الجاهلية كما نذكره بعد حتى تلاشى أمر العرب ودرست لغتهم وفسد كلامهم وانقضى أمرهم ودولتهم وصار الامر للأعاجم والملك في أيديهم والتغلب لهم وذلك في دولة الديلم والسلجوقية وخالطوا أهل الأمصار والحواضر حتى بعدوا عن اللسان العربي وملكته وصار متعلمها منهم مقصرا عن تحصيلها وعلى ذلك نجد لسانهم لهذا العهد في فني المنظوم والمنثور وإن كانوا مكثرين منه والله يخلق ما يشاء ويختار والله سبحانه وتعالى اعلم وبه التوفيق لا رب سواه الفصل الرابع والأربعون في انقسام الكلام إلى فني النظم والنثر إعلم أن لسان العرب وكلامهم على فنين في الشعر المنظوم وهو الكلام الموزون المقفى ومعناه الذي تكون أوزانه كلها على روي واحد وهو القافية وفي النثر وهو الكلام غير الموزون وكل واحد من الفنين يشتمل على فنون ومذاهب
(٥٦٦)