الفصل الثاني والأربعون في تفسير الذوق في مصطلح اهل البيان وتحقيق معناه وبيان انه لا يحصل للمستعربين من العجم إعلم أن لفظة الذوق يتداولها المعتنون بفنون البيان ومعناها حصول ملكة البلاغة للسان وقد مر تفسير البلاغة وأنها مطابقة الكلام للمعنى من جميع وجوهه بخواص تقع للتراكيب في إفادة ذلك فالمتكلم بلسان العرب والبليغ فيه يتحرى الهيئة المفيدة لذلك على أساليب العرب وأنحاء مخاطباتهم وينظم الكلام على ذلك الوجه جهده فإذا اتصلت مقاماته بمخالطة كلام العرب حصلت له الملكة في نظم الكلام على ذلك الوجه وسهل عليه أمر التركيب حتى لا يكاد ينحو فيه غير منحى البلاغة التي للعرب وإن سمع تركيبا غير جار على ذلك المنحى مجه ونبا عنه سمعه بأدنى فكر بل وبغير فكر إلا بما استفاد من حصول هذه الملكة فان الملكات إذا استقرت ورسخت في محالها ظهرت كأنها طبيعة وجبلة لذلك المحل ولذلك يظن كثير من المغفلين ممن لم يعرف شان الملكات أن الصواب للعرب في لغتهم إعرابا وبلاغة أمر طبيعي ويقول كانت العرب تنطق بالطبع وليس كذلك وإنما هي ملكة لسانية في نظم الكلام تمكنت ورسخت فظهرت في بادئ الرأي أنها جبلة وطبع وهذه الملكة كما تقدم إنما تحصل بممارسة كلام العرب وتكرره على السمع والتفطن لخواص تراكيبه وليست تحصل بمعرفة القوانين العلمية في ذلك التي استنبطها أهل صناعة اللسان فان هذه القوانين إنما تفيد علما بذلك اللسان ولا تفيد حصول الملكة بالفعل في محلها وقد مر ذلك وإذا تقرر ذلك فملكة البلاغة في اللسان تهدي البليغ إلى وجود النظم وحسن التركيب الموافق لتراكيب العرب في لغتهم ونظم كلامهم ولو رام صاحب هذه الملكة حيدا عن هذه السبل المعينة والتراكيب المخصوصة لما قدر عليه ولا وافقه عليه لسانه لأنه لا يعتاده ولا تهديه إليه ملكته الراسخة عنده وإذا عرض عليه الكلام حائدا عن أسلوب العرب وبلاغتهم في نظم كلامهم أعرض عنه ومجه وعلم أنه ليس من كلام العرب الذين مارس كلامهم وربما يعجز عن الاحتجاج لذلك كما تصنع أهل القوانين النحوية
(٥٦٢)