تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٥٦٨
الأوصاف وضرب الأمثال وكثرة التشبيهات والاستعارات حيث لا تدعو ضرورة إلى ذلك في الخطاب والتزام التقفية أيضا من اللوذعة والتزيين وجلال الملك والسلطان وخطاب الجمهور عن الملوك بالترغيب والترهيب ينافي ذلك ويباينه والمحمود في المخاطبات السلطانية الترسل وهو إطلاق الكلام وإرساله من غير تسجيع إلا في الأقل النادر وحيث ترسله الملكة إرسالا من غير تكلف له ثم إعطاء الكلام حقه في مطابقته لمقتضى الحال فان المقامات مختلفة ولكل مقام أسلوب يخصه من إطناب أو إيجاز أو حذف أو إثبات أو تصريح أو إشارة أو كناية واستعارة وأما إجراء المخاطبات السلطانية على هذا النحو الذي هو على أساليب الشعر فمذموم وما حمل عليه أهل العصر إلا استيلاء العجمة على ألسنتهم وقصورهم لذلك عن إعطاء الكلام حقه في مطابقته لمقتضى الحال فعجزوا عن الكلام المرسل لبعد أمده في البلاغة وانفساح خطوبه وولعوا بهذا المسجع يلفقون به ما نقصهم من تطبيق الكلام على المقصود ومقتضى الحال فيه ويجبرونه بذلك القدر من التزيين بالأسجاع والألقاب البديعة ويغفلون عما سوى ذلك وأكثر من أخذ بهذا الفن وبالغ فيه في سائر أنحاء كلامهم كتاب المشرق وشعراؤه لهذا العهد حتى إنهم ليخلون بالاعراب في الكلمات والتصريف إذا دخلت لهم في تجنيس أو مطابقة يجتمعان معها فيرجحون ذلك الصنف من التجنيس ويدعون الاعراب ويفسدون بنية الكلمة عساها تصادف التجنيس فتأمل ذلك بما قدمناه لك تقف على صحة ما ذكرناه والله الموفق للصواب بمنه وكرمه والله تعالى أعلم.
الفصل الخامس والأربعون في أنه لا تتفق الا جادة في فني المنظوم والمنثور معا إلا للأقل والسبب في ذلك أنه كما بيناه ملكة في اللسان فإذا تسبقت إلى محله ملكة أخرى قصرت بالمحل عن تمام الملكة اللاحقة لان تمام الملكات وحصولها للطبائع التي على الفطرة الأولى أسهل وأيسر وإذا تقدمتها ملكة أخرى كانت منازعة لها في المادة القابلة وعائقة عن سرعة القبول فوقعت المنافاة وتعذر التمام في الملكات الصناعية كلها على الاطلاق وقد برهنا عليه في موضعه بنحو من هذا
(٥٦٨)
مفاتيح البحث: العصر (بعد الظهر) (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 563 564 565 566 567 568 569 570 571 572 573 ... » »»