تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٥٧٧
وجمعت بين قريبه وبعيده * وجمعت بين محمه ومعينه وإذا مدحت به جوادا ماجدا * وقضيته بالشكر حق ديونه أصفيته بتفتش ورضيته * وخصصته بخطيره وثمينه فيكون جزلا في مساق صنوفه * ويكون سهلا في اتفاق فنونه وإذا بكيت به الديار وأهلها * أجريت للمحزون ماء شؤونه وإذا أردت كناية عن ريبة * باينت بين ظهوره وبطونه فجعلت سامعه يشوب شكوكه * بثبوته وظنونه بيقينه الفصل السابع والأربعون في أن صناعة النظم والنثر انما هي في الألفاظ لا في المعاني إعلم أن صناعة الكلام نظما ونثرا إنما هي في الألفاظ لا في المعاني وإنما المعاني تبع لها وهي أصل فالصانع الذي يحاول ملكة الكلام في النظم والنثر إنما يحاولها في الألفاظ بحفظ أمثالها من كلام العرب ليكثر استعماله وجريه على لسانه حتى تستقر له الملكة في لسان مضر ويتخلص من العجمة التي ربي عليها في جيله ويفرض نفسه مثل وليد نشأ في جيل العرب ويلقن لغتهم كما يلقنها الصبي حتى يصير كأنه واحد منهم في لسانهم وذلك أنا قدمنا أن اللسان ملكة من الملكات في النطق يحاول تحصيلها بتكرارها على اللسان حتى تحصل والذي في اللسان والنطق إنما هو الألفاظ وأما المعاني فهي في الضمائر وأيضا فالمعاني موجودة عند كل واحد وفي طوع كل فكر منها ما يشاء ويرضى فلا يحتاج إلى صناعة وتأليف الكلام للعبارة عنها هو المحتاج للصناعة كما قلناه وهو بمثابة القوالب للمعاني فكما أن الأواني التي يغترف بها الماء من البحر منها آنية الذهب والفضة والصدف والزجاج والخزف والماء واحد في نفسه وتختلف الجودة في الأواني المملؤة بالماء باختلاف جنسها لا باختلاف الماء كذلك جودة اللغة وبلاغتها في الاستعمال تختلف باختلاف طبقات الكلام في تأليفه باعتبار تطبيقه على المقاصد والمعاني واحدة في نفسها وإنما الجاهل بتأليف الكلام وأساليبه على مقتضى ملكة اللسان إذا حاول العبارة عن مقصوده ولم يحسن بمثابة المقعد الذي يروم النهوض
(٥٧٧)
مفاتيح البحث: الجهل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 572 573 574 575 576 577 578 579 580 581 582 ... » »»