ملكتها لتمكن المنافاة حينئذ واعتبر ذلك في أهل الأمصار فأهل أفريقية والمغرب لما كانوا أعرق في العجمة وأبعد عن اللسان الأول كان لهم قصور تام في تحصيل ملكته بالتعليم ولقد نقل ابن الرقيق أن بعض كتاب القيروان كتب إلى صاحب له يا أخي ومن لا عدمت فقده أعلمني أبو سعيد كلاما أنك كنت ذكرت أنك تكون مع الذين تأتي وعاقنا اليوم فلم يتهيأ لنا الخروج وأما أهل المنزل الكلاب من أمر الشين فقد كذبوا هذا باطلا ليس من هذا حرفا واحدا وكتابي إليك وأنا مشتاق إليك إن شاء الله وهكذا كانت ملكتهم في اللسان المضري شبيه بما ذكرنا وكذلك أشعارهم كانت بعيدة عن الملكة نازلة عن الطبقة ولم تزل كذلك لهذا العهد ولهذا ما كان بأفريقية من مشاهير الشعراء إلا ابن رشيق وابن شرف وأكثر ما يكون فيها الشعراء طارئين عليها ولم تزل طبقتهم في البلاغة حتى الآن مائلة إلى القصور وأهل الأندلس أقرب منهم إلى تحصيل هذه الملكة بكثرة معاناتهم وامتلائهم من المحفوظات اللغوية نظما ونثرا وكان فيهم ابن حيان المؤرخ إمام أهل الصناعة في هذه الملكة ورافع الراية لهم فيها وابن عبد ربه والقسطلي وأمثالهم من شعراء ملوك الطوائف لما زخرت فيها بحار اللسان والأدب وتداول ذلك فيهم مئين من السنين حتى كان الانفضاض والجلاء أيام تغلب النصرانية وشغلوا عن تعلم ذلك وتناقص العمران فتناقص لذلك شان الصنائع كلها فقصرت الملكة فيهم عن شأنها حتى بلغت الحضيض وكان من آخرهم صالح بن شريف ومالك بن مرحل من تلاميذ الطبقة الإشبيليين بسبتة وكتاب دولة ابن الأحمر في أولها وألقت الأندلس أفلاذ كبدها من أهل تلك الملكة بالجلاء إلى العدوة لعدوة الإشبيلية إلى سبتة ومن شرقي الأندلس إلى أفريقية ولم يلبثوا إلى أن انقرضوا وانقطع سند تعليمهم في هذه الصناعة لعسر قبول العدوة لها وصعوبتها عليهم بعوج ألسنتهم ورسوخهم في العجمة البربرية وهي منافية لما قلناه ثم عادت الملكة من بعد ذلك إلى الأندلس كما كانت ونجم بها ابن بشرين وابن جابر وابن الجياب وطبقتهم ثم إبراهيم الساحلي الطريحي وطبقته وقفاهم ابن الخطيب من بعدهم الهالك هذا العهد شهيدا بسعاية أعدائه وكان له في اللسان ملكة لا تدرك واتبع أثره تلميذه وبالجملة
(٥٦٥)