الطبيعية والله العليم الخبير الفصل الرابع والعشرون في ابطال الفلسفة وفساد منتحلها هذا الفصل وما بعده مهم لان هذه العلوم عارضة في العمران كثيرة في المدن وضررها في الدين كثير فوجب أن يصدع بشأنها ويكشف عن المعتقد الحق فيها وذلك أن قوما من عقلاء النوع الانساني زعموا أن الوجود كله الحسي منه وما وراء الحسي تدرك أدواته وأحواله بأسبابها وعللها بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية وأن تصحيح العقائد الايمانية من قبل النظر لامن جهة السمع فإنها بعض من مدارك العقل وهؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف وهو باللسان اليوناني محب الحكمة فبحثوا عن ذلك وشمروا له وحوموا على إصابة الغرض منه ووضعوا قانونا يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل وسموه بالمنطق ومحصل ذلك أن النظر الذي يفيد تمييز الحق من الباطل إنما هو للذهن في المعاني المنتزعة من الموجودات الشخصية فيجرد منها أولا صور منطبقة على جميع الاشخاص كما ينطبق الطابع على جميع النقوش التي ترسمها في طين أو شمع وهذه مجردة من المحسوسات تسمى المعقولات الأوائل ثم تجرد من تلك المعاني الكلية إذا كانت مشتركة مع معان أخرى وقد تميزت عنها في الذهن فتجرد منها معان أخرى وهي التي اشتركت بها ثم تجرد ثانيا إن شاركها غيرها وثالثا إلى أن ينتهي التجريد إلى المعاني البسيطة الكلية المنطبقة على جميع المعاني والاشخاص ولا يكون منها تجريد بعد هذا وهي الأجناس العالية وهذه المجردات كلها من غير المحسوسات هي من حيث تأليف بعضها مع بعض لتحصيل العلوم منها تسمى المعقولات الثواني فإذا نظر الفكر في هذه المعقولات المجردة وطلب تصور الوجود كما هو فلا بد للذهن من إضافة بعضها إلى بعض ونفي بعضها عن بعض بالبرهان العقلي اليقيني ليحصل تصور الوجود تصورا صحيحا مطابقا إذا كان ذلك بقانون صحيح كما مر وصنف التصديق الذي هو تلك الإضافة والحكم متقدم عندهم على صنف التصور في النهاية والتصور متقدم عليه في البداءة والتعليم لان التصور التام عندهم هو غاية الطلب الادراكي وإنما
(٥١٤)