تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤٢٥
رأيت بينك وبينه اتحادا في البداءة يشهد لك به اتحاد كما في الكون ومعناه من وجه آخر أن الوجود يشرك بين الموجودات كما تقوله الحكماء فتود أن يمتزج بمشاهدات فيه الكمال لتتحد به بل تروم النفس حينئذ الخروج عن الوهم إلى الحقيقة التي هي اتحاد المبدأ والكون ولما كان أنسب الأشياء إلى الانسان وأقربها إلى أن يدرك الكمال في تناسب موضوعها هو شكله الانساني كان إدراكه للجمال والحسن في تخاطيطه وأصواته من المدرك التي هي أقرب إلى فطرته فيلهج كل انسان بالحسن من المرئي أو المسموع بمقتضى الفطرة والحسن في المسموع أن تكون الأصوات متناسبة لا متنافرة وذلك أن الأصوات لها كيفيات من الهمس والجهر والرخاوة والشدة والقلقلة والضغط وغير ذلك والتناسب فيها هو الذي يوجب لها الحسن فأولا أن لا يخرج من الصوت إلى مدة دفعة بل بتدريج ثم يرجع كذلك وهكذا إلى المثل بل لا بد من توسط المغاير بين الصوتين وتأمل هذا من افتتاح أهل اللسان التراكيب من الحروف المتنافرة أو المتقاربة المخارج فإنه من بابه وثانيا تناسبها في الاجزاء كما مر أول الباب فيخرج من الصوت إلى نصفه أو ثلثه أو جزء من كذا منه على حسب ما يكون التنقل متناسبا على ما حصره أهل الصناعة فإذا كانت الأصوات على تناسب في الكيفيات كما ذكره أهل تلك الصناعة كانت ملائمة ملذوذة ومن هذا التناسب ما يكون بسيطا ويكون الكثير من الناس مطبوعا عليه لا يحتاجون فيه إلى تعليم ولا صناعة كما نجد المطبوعين على الموازين الشعرية وتوقيع الرقص وأمثال ذلك وتسمي العامة هذه القابلية بالمضمار وكثير من القراء بهذه المثابة يقرأون القرآن فيجيدون في تلاحين أصواتهم كأنها المزامير فيطربون بحسن مساقهم وتناسب نغماتهم ومن هذا التناسب ما يحدث بالتركيب وليس كل الناس يستوي في معرفته ولا كل الطباع توافق صاحبها في العمل به إذا علم وهذا هو التلحين الذي يتكفل به علم الموسيقى كما نشرحه بعد عند ذكر العلوم وقد أنكر مالك رحمه الله تعالى القراءة بالتلحين وأجازها الشافعي رضي الله تعالى عنه وليس المراد تلحين الموسيقى الصناعي فإنه لا ينبغي أن يختلف في حظره إذ صناعة الغناء مباينة للقرآن بكل وجه لان القراءة والأداء تحتاج إلى مقدار من الصوت لتعين أداء الحروف لا
(٤٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 430 ... » »»