تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤٢٤
الذراع يتسع إلى أن يكون انفراج مخرجه في مقدار دون الكف في شكل بري القلم وينفخ فيه بقصبة صغيرة تؤدي الريح من الفم إليه فيخرج الصوت ثخينا دويا وفيه أبخاش أيضا معدودة وتقطع نغمة منها كذلك بالأصابع على التناسب فيكون ملذوذا ومنها آلات الأوتار وهي جوفاء كلها إما عيل شكل قطعة من الكرة مثل المربط والرباب أو على شكل مربع كالقانون توضع الأوتار على بسائطها مشدودة في رأسها إلى دسر جائلة ليأتي شد الأوتار ورخوها عند الحاجة إليه بإدارتها ثم تقرع الأوتار إما بعود آخر أو بوتر مشدود بين طرفي قوس يمر عليها بعد أن يطلى بالشمع والكندر ويقطع الصوت فيه بتخفيف اليد في إمراره أو نقله من وتر إلى وتر واليد اليسرى مع ذلك في جميع آلات الأوتار توقع بأصابعها على أطراف الأوتار فيما يقرع أو يحك بالوتر فتحدث الأصوات متناسبة ملذوذة وقد يكون القرع في الطسوت بالقضبان أو في الأعواد بعضها ببعض على توقيع مناسب يحدث عنه التذاذ بالمسموع ولنبين لك السبب في اللذة الناشئة عن الغناء وذلك أن اللذة كما تقرر في موضعه هي إدراك الملائم والمحسوس إنما تدرك منه كيفية فإذا كانت مناسبة للمدرك وملائمة كانت ملذوذة وإذا كانت منافية له منافرة كانت مؤلمة فالملائم من الطعوم ما ناسبت كيفيته حاسة الذوق في مزاجها وكذا الملائم من الملموسات وفي الروائح ما ناسب مزاج الروح القلبي البخاري لأنه المدرك وإليه تؤديه الحاسة ولهذا كانت الرياحين والازهار العطريات أحسن رائحة وأشد ملاءمة للروح لغلبة الحرارة فيها التي هي مزاج الروح القلبي وأما المرئيات والمسموعات فالملائم فيها تناسب الأوضاع في أشكالها وكيفياتها فهو أنسب عند النفس وأشد ملاءمة لها فإذا كان المرئي متناسبا في أشكاله وتخاطيطه التي له بحسب مادته بحيث لا يخرج عما تقتضيه مادته الخاصة من كمال المناسبة والوضع وذلك هو معنى الجمال والحسن في كل مدرك كان ذلك حينئذ مناسبا للنفس المدركة فتلتذ بإدراك ملائمها ولهذا تجد العاشقين المستهترين في المحبة يعبرون عن غاية محبتهم وعشقهم بامتزاج أرواحهم بروح المحبوب وفي هذا سر تفهمه إن كنت من أهله وهو اتحاد المبدأ وإن كان ما سواك إذا نظرته وتأملته
(٤٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 ... » »»