أكثر إفادة لذلك لأنها تشتمل على العلوم والانظار بخلاف الصنائع وبيانه أن في الكتابة انتقالا من الحروف الخطية إلى الكلمات اللفظية في الخيال ومن الكلمات اللفظية في الخيال إلى المعاني التي في النفس ذلك دائما فيحصل لها ملكة الانتقال من الأدلة إلى المدلولات وهو معنى النظر العقلي الذي يكسب العلوم المجهولة فيكسب بذلك ملكة من التعقل تكون زيادة عقل ويحصل به قوة فطنة وكيس في الأمور لما تعودوه من ذلك الانتقال ولذلك قال كسرى في كتابه لما رآهم بتلك الفطنة والكيس فقال ديوانه أي شياطين وجنون قالوا وذلك أصل اشتقاق الديوان لأهل الكتابة ويلحق بذلك الحساب فان في صناعة الحساب نوع تصرف في العدد بالضم والتفريق يحتاج فيه إلى استدلال كثير فيبقي متعودا للاستدلال والنظر وهو معنى العقل والله أعلم الفصل السادس من الكتاب الأول في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه مقدمة ولواحق الفصل الأول في أن العلم والتعليم طبيعي في العمران البشري وذلك أن الانسان قد شاركته جميع الحيوانات في حيوانيته من الحس والحركة والغذاء والكن وغير ذلك وإنما تميز عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه والاجتماع المهيء لذلك التعاون وقبول ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى والعمل به واتباع صلاح أخراه فهو مفكر في ذلك كله دائما لا يفتر عن الفكر فيه طرفة عين بل اختلاج الفكر أسرع من لمح البصر وعن هذا الفكر تنشأ العلوم وما قدمناه من الصنائع ثم لاجل هذا الفكر وما جبل عليه الانسان بل الحيوان من تحصيل ما تستدعيه الطباع فيكون الفكر راغبا في تحصيل ما ليس
(٤٢٩)