واللعب واتخذت آلات الرقص في الملبس والقضبان والاشعار التي يترنم بها عليه وجعل صنفا وحده واتخذت آلات أخرى للرقص تسمى بالكرج وهي تماثيل خيل مسرجة من الخشب معلقة بأطراف أقبية يلبسها النسوان ويحاكين بها امتطاء الخيل فيكرون ويفرون ويثاقفون وأمثال ذلك من اللعب المعد للولائم والأعراس وأيام الأعياد ومجالس الفراغ واللهو وكثر ذلك ببغداد وأمصار العراق وانتشر منها إلى غيرها وكان للموصليين غلام اسمه زرياب أخذ عنهم الغناء فأجاد فصرفوه إلى المغرب غيره منه فلحق بالحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل أمير الأندلس فبالغ في تكرمته وركب للقائه وأسنى له الجوائز والاقطاعات والجرايات وأحله من دولته وندمائه بمكان فأورث بالأندلس من صناعة الغناء ما تناقلوه إلى أزمان الطوائف وطما منها بأشبيلية بحر زاخر وتناقل منها بعد ذهاب غضارتها إلى بلاد العدوة بإفريقية والمغرب وانقسم على أمصارها وبها الآن منها صبابة على تراجع عمرانها وتناقص دولها وهذه الصناعة آخر ما يحصل في العمران من الصنائع لأنها كمالية في غير وظيفة من الوظائف إلا وظيفة الفراغ والفرح وهو أيضا أول ما ينقطع من العمران عند اختلاله وتراجعه والله أعلم الفصل الثالث والثلاثون في أن الصنائع تكسب صاحبها عقلا وخصوصا الكتابة والحساب قد ذكرنا في الكتاب أن النفس الناطقة للانسان إنما توجد فيه بالقوة وأن خروجها من القوة إلى الفعل إنما هو بتجدد العلوم والادراكات عن المحسوسات أولا ثم ما يكتسب بعدها بالقوة النظرية إلى أن يصير إدراكا بالفعل وعقلا محضا فتكون ذاتا روحانية ويستكمل حينئذ وجودها فوجب لذلك أن يكون كل نوع من العلم والنظر يفيدها عقلا فريدا والصنائع أبدا يحصل عنها وعن ملكتها قانون علمي مستفاد من تلك الملكة فلهذا كانت الحنكة في التجربة تفيد عقلا والحضارة الكاملة تفيد عقلا لأنها مجتمعة من صنائع في شان تدبير المنزل ومعاشرة أبناء الجنس وتحصيل الآداب في مخالطتهم ثم القيام بأمور الدين واعتبار آدابها وشرائطها وهذه كلها قوانين تنتظم علوما فيحصل منها زيادة عقل والكتابة من بين الصنائع
(٤٢٨)