تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤٢٣
أن صناعة الرواية قائمة بالمشرق وتصحيح الدواوين لمن يرومه بذلك سهل على مبتغيه لنفاق أسواق العلوم والصنائع كما نذكره بعد إلا أن الخط الذي بقي من الإجادة في الانتساخ هنالك إنما هو للعجم وفي خطوطهم وأما النسخ بمصر ففسد كما فسد بالمغرب وأسد والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق الفصل الثاني والثلاثون في صناعة الغناء هذه الصناعة هي تلحين الاشعار الموزونة بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة يوقع كل صوت منها توقيعا عند قطعه فيكون نغمة ثم تؤلف تلك النغم بعضها إلى بعض على نسب متعارفة فيلذ سماعها لاجل ذلك التناسب وما يحدث عنه من الكيفية في تلك الأصوات وذلك أنه تبين في علم الموسيقى أن الأصوات تتناسب فيكون صوت نصف صوت وربع آخر وخمس أخر وجزء من أحد عشر من آخر واختلاف هذه النسب عند تأديتها إلى السمع بخروجها من البساطة إلى التركيب وليس كل تركيب منها ملذوذا عند السماع بل للملذوذ تراكيب خاصة وهي التي حصرها أهل علم الموسيقى وتكلموا عليها كما هو مذكور في موضعه وقد يساوق ذلك التلحين في النغمات الغنائية بتقطيع أصوات أخرى من الجمادات إما بالقرع أو بالنفخ في الآلات تتخذ لذلك فترى لها لذة عند السماع فمنها لهذا العهد أصناف منها ما يسمونه الشبابة وهي قصبة جوفاء بأبخاش في جوانبها معدودة ينفخ فيها فتصوت فيخرج الصوت من جوفها على سداده من تلك الأبخاش ويقطع الصوت بوضع الأصابع من اليدين جميعا على تلك الأبخاش وضعا متعارفا حتى تحدث النسب بين الأصوات فيه وتتصل كذلك متناسبة فيلتذ السمع بإدراكها للتناسب الذي ذكرناه ومن جنس هذه الآلة المزمار الذي يسمى الزلامي وهو شكل القصبة منحوتة الجانبين من الخشب جوفاء من غير تدوير لاجل ائتلافها من قطعتين منفردتين كذلك بأبخاش معدودة ينفخ فيها بقصبة صغيرة توصل فينفذ النفخ بواسطتها إليها وتصوت بنغمة حادة يجرى فيها من تقطيع الأصوات من تلك الأبخاش بالأصابع مثل ما يجري في الشبابة ومن أحسن آلات الزمر لهذا العهد البوق وهو بوق من نحاس أجوف في مقدار
(٤٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 ... » »»