تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤٣٥
والزوايا والربط ووقفوا عليها الأوقاف المغلة يجعلون فيها شركا لولدهم ينظر عليها أو يصيب منها مع ما فيهم غالبا من الجنوح إلى الخير والتماس الأجور في المقاصد والأفعال فكثرت الأوقاف لذلك وعظمت الغلات والفوائد وكثر طالب العلم ومعلمه بكثرة جرايتهم منها وارتحل إليها الناس في طلب العلم من العراق والمغرب ونفقت بها أسواق العلوم وزخرت بحارها والله يخلق ما يشاء الفصل الرابع في أصناف العلوم الواقعة في العمران لهذا العهد إعلم أن العلوم التي يخوض فيها البشر ويتداولونها في الأمصار تحصيلا وتعليما هي على صنفين صنف طبيعي للانسان يهتدي إليه بفكره وصنف نقلي يأخذه عمن وضعه والأول هي العلوم الحكمية الفلسفية وهي التي يمكن أن يقف عليها الانسان بطبيعة فكره ويهتدي بمداركه البشرية إلى موضوعاتها ومسائلها وأنحاء براهينها ووجوه تعليمها حتى يقفه (1) نظره ويحثه على الصواب من الخطأ فيها من حيث هو انسان ذو فكر والثاني هي العلوم النقلية الوضعية وهي كلها مستندة إلى الخبر عن الواضع الشرعي ولا مجال فيها للعقل إلا في إلحاق الفروع من مسائلها بالأصول لان الجزئيات الحادثة المتعاقبة لا تندرج تحت النقل الكلي بمجرد وضعه فتحتاج إلى الالحاق بوجه قياسي إلا أن هذا القياس يتفرع عن الخبر بثبوت الحكم في الأصل وهو نقلي فرجع هذا القياس إلى النقل لتفرعه عنه وأضل هذه العلوم النقلية كلها هي الشرعيات من الكتاب والسنة إلي هي مشروعة لنا من الله ورسوله وما يتعلق بذلك من العلوم التي تهيؤها للإفادة ثم يستتبع ذلك علوم اللسان العربي الذي هو لسان الملة وبه نزل القرآن وأصناف هذه العلوم النقلية كثيرة لان المكلف يجب عليه أن يعرف أحكام الله تعالى المفروضة عليه وعلى أبناء جنسه وهي مأخوذة من الكتاب والسنة بالنص أو بالاجماع أو بالالحاق فلا بد من النظر بالكتاب ببيان ألفاظه أولا وهذا هو علم التفسير ثم باسناد نقله وروايته إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء به من عند الله واختلاف

(1) قوله حتى يقفه نظره يستعمل وقف متعديا فتقول وقفته على كذا اي أطلعته عليه قاله نصر
(٤٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 440 ... » »»