نجد أكثر البدو أميين لا يكتبون ولا يقرأون ومن قرأ منهم أو كتب فيكون خطه قاصرا أو قراءته غير نافذة ونجد تعليم الخط في الأمصار الخارج عمرانها عن الحد أبلغ وأحسن وأسهل طريقا لاستحكام الصنعة فيها كما يحكى لنا عن مصر لهذا العهد وأن بها معلمين منتصبين لتعليم الخط يلقون على المتعلم قوانين وأحكاما في وضع كل حرف ويزيدون إلى ذلك المباشرة بتعليم وضعه فتعتضد لديه رتبة العلم والحس في التعليم وتأتي ملكته على أتم الوجوه وإنما أتى هذا من كمال الصنائع ووفورها بكثرة العمران وانفساح الاعمال وقد كان الخط العربي بالغا مبالغه من الاحكام والاتقان والجودة في دولة التبابعة لما بلغت من الحضارة والترف وهو المسمى بالخط الحميري وانتقل منها إلى الحيرة لما كان بها من دولة آل المنذر نسباء التبابعة في العصبية والمجددين لملك العرب بأرض العراق ولم يكن الخط عندهم من الإجادة كما كان عند التبابعة لقصور ما بين الدولتين وكانت الحضارة وتوابعها من الصنائع وغيرها قاصرة عن ذلك ومن الحيرة لقنه أهل الطائف وقريش فيما ذكر ويقال إن الذي تعلم الكتابة من الحيرة هو سفيان بن أمية ويقال حرب بن أمية وأخذها من أسلم بن سدرة وهو قول ممكن وأقرب ممن ذهب إلى أنهم تعلموها من إياد أهل العراق لقول شاعرهم قوم لهم ساحة العراق إذا * ساروا جميعا والخط والقلم وهو قول بعيد لان إياد وإن نزلوا ساحة العراق فلم يزالوا على شانهم من البداوة والخط من الصنائع الحضرية وإنما معنى قول الشاعر أنهم أقرب إلى الخط والقلم من العرب لقربهم من ساحة الأمصار وضواحيها فالقول بأن أهل الحجاز إنما لقنوها من الحيرة ولقنها الحيرة من التبابعة وحمير هو الأليق من الأقوال وكان لحمير كتابة تسمى المسند حروفها منفصلة وكانوا يمنعون من تعلمها إلا بإذنهم ومن حمير تعلمت مصر الكتابة العربية إلا أنهم لم يكونوا مجيدين لها شان الصنائع إذا وقعت بالبدو فلا تكون محكمة المذاهب ولا مائلة إلى الاتقان والتنميق لبون ما بين البدو والصناعة واستغناء البدو عنها في الأكثر وكانت كتابة العرب بدوية مثل كتابتهم أو قريبا من كتابتهم لهذا العهد أو نقول إن كتابتهم لهذا العهد أحسن صناعة لان هؤلاء
(٤١٨)