تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤١٢
كما خلقنا أول مرة حتى لا يعلق العبد قلبه بشئ من عوائد ترفه لا طيبا ولا نساء ولا مخيطا ولا خفا ولا يتعرض لصيد ولا لشئ من عوائده التي تلونت بها نفسه وخلقه مع أنه يفقدها بالموت ضرورة وإنما يجئ كأنه وارد إلى المحشر ضارعا بقلبه مخلصا لربه وكان جزاؤه إن تم له إخلاصه في ذلك أن يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه سبحانك ما أرفقك بعبادك وأرحمك بهم في طلب هدايتهم إليك. وهاتان الصنعتان قديمتان في الخليقة لما أن الدف ء ضروري للبشر في العمران المعتدل وأما المنحرف إلى الحر فلا يحتاج أهله إلى دف ء ولهذا يبلغنا عن أهل الإقليم الأول من السودان أنهم عراة في الغالب ولقدم هذه الصنائع ينسبها العامة إلى إدريس عليه السلام وهو أقدم الأنبياء وربما ينسبونها إلى هرمس وقد يقال إن هرمس هو إدريس والله سبحانه وتعالى هو الخلاق العليم الفصل الثامن والعشرون في صناعة التوليد وهي صناعة يعرف بها العمل في استخراج المولود الآدمي من بطن أمه من الرفق في اخراجه من رحمها وتهيئة أسباب ذلك ثم ما يصلحه بعد الخروج على ما نذكر وهي مختصة بالنساء في غالب الامر لما أنهن الظاهرات بعضهن على عورات بعض وتسمى القائمة على ذلك منهن القابلة استعير فيها معنى الاعطاء والقبول كان النفساء تعطيها الجنين وكأنها تقبله وذلك أن الجنين إذا استكمل خلقه في الرحم وأطواره وبلغ إلى غايته والمدة التي قدرها الله لمكثه هي تسعة أشهر في الغالب فيطلب الخروج بما جعل الله في المولود من النزوع لذلك ويضيق عليه المنفذ فيعسر وربما مزق بعض جوانب الفرج بالضغط وربما انقطع بعض ما كان من الأغشية من الالتصاق والالتحام بالرحم وهذه كلها آلام يشتد بها الوجع وهو معنى الطلق فتكون القابلة معينة في ذلك بعض الشئ بغمز الظهر والوركين وما يحاذي الرحم من الأسافل تساوق بذلك فعل الدافعة في اخراج الجنين وتسهيل ما يصعب منه بما يمكنها وعلى ما تهتدي إلى معرفة عسرة ثم إن أخرج الجنين بقيت بينه وبين الرحم الوصلة حيث كان يتغذى منها متصلة من سرته بمعاه وتلك
(٤١٢)
مفاتيح البحث: الفرج (1)، الموت (1)، النفاس (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 ... » »»