تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٤١٦
الحميات وسببها أن الحار الغريزي قد يضعف عن تمام النضج في طبخه في كل طور من هذه فيبقى ذلك الغذاء دون نضج وسببه غالبا كثرة الغذاء في المعدة حتى يكون أغلب على الحار الغريزي أو إدخال الطعام إلى المعدة قبل أن تستوفي طبخ الأول فيستقل به الحار الغريزي ويترك الأول بحالة أو يتوزع عليهما فيقصر عن تمام الطبخ والنضج وترسله المعدة كذلك إلى الكبد فلا تقوى حرارة الكبد أيضا على إنضاجه وربما بقي في الكبد من الغذاء الأول فضلة غير ناضجة وترسل الكبد جميع ذلك إلى العروق غير ناضج كما هو فإذا أخذ البدن حاجته الملائمة أرسله مع الفضلات الأخرى من العرق والدمع واللعاب إن اقتدر على ذلك وربما يعجز عن الكثير منه فيبقى في العروق والكبد والمعدة وتتزايد مع الأيام وكل ذي رطوبة من الممتزجات إذا لم يأخذه الطبخ والنضج يعفن فيتعفن ذلك الغذاء غير الناضج وهو المسمى بالخلط وكل متعفن ففيه حرارة غريبة وتلك هي المسماة في بدن الانسان بالحمى واختبر ذلك بالطعام إذا ترك حتى يتعفن وفي الزبل إذا تعفن أيضا كيف تنبعث فيه الحرارة وتأخذ مأخذها فهذا معنى الحميات في الأبدان وهي رأس الأمراض وأصله كما وقع في الحديث وهذه الحميات علاجها بقطع الغذاء عن المريض أسابيع معلومة ثم يتناول الأغذية الملائمة حتى يتم برؤه وذلك في حال الصحة علاج في التحفظ من هذا المرض وأصله كما وقع في الحديث وقد يكون ذلك العفن في عضو مخصوص فيتولد عنه مرض في ذلك العضو ويحدث جراحات في البدن إما في الأعضاء الرئيسية أو في غيرها وقد يمرض العضو ويحدث عنه مرض القوى الموجودة له هذه كلها جماع الأمراض وأصلها في الغالب من الأغذية وهذا كله مرفوع إلى الطبيب ووقوع هذه الأمراض في أهل الحضر والأمصار أكثر لخصب عيشهم وكثرة مأكلهم وقلة اقتصارهم على نوع واحد من الأغذية وعدم توقيتهم لتناولها وكثيرا ما يخلطون بالأغذية من التوابل والبقول والفواكه رطبا ويابسا في سبيل العلاج بالطبخ ولا يقتصرون في ذلك على نوع أو أنواع فربما عددنا في اليوم الواحد من ألوان الطبخ أربعين نوعا من النبات والحيوان فيصير للغذاء مزاج غريب وربما يكون غريبا عن ملاءمة البدن وأجزائه ثم إن الأهوية في الأمصار
(٤١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 ... » »»