تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٣٨٢
معهما الخشب والغزل إلا أن العمل فيهما أكثر فقيمته أكثر وإن كان من غير الصنائع فلا بد من قيمة ذلك المفاد والقنية من دخول قيمة العمل الذي حصلت به إذ لولا العمل لم تحصل قنيتها وقد تكون ملاحظة العمل ظاهرة في الكثير منها فتجعل له حصة من القيمة عظمت أو صغرت وقد تخفى ملاحظة العمل كما في أسعار الأقوات بين الناس فان اعتبار الاعمال والنفقات فيها ملاحظ في أسعار الحبوب كما قدمناه لكنه خفي في الأقطار التي علاج الفلح فيها ومؤنته يسيرة فلا يشعر به إلا القليل من أهل الفلح فقد تبين أن المفادات والمكتسبات كلها أو أكثرها إنما هي قيم الاعمال والانسانية وتبين مسمى الرزق وأنه المنتفع به فقد بان معنى الكسب والرزق وشرح مسماهما واعلم أنه إذا فقدت الاعمال أو قلت بانتقاص العمران تأذن الله برفع الكسب ألا ترى إلى الأمصار القليلة الساكن كيف يقل الرزق والكسب فيها أو يفقد لقلة الاعمال الانسانية وكذلك الأمصار التي يكون عمرانها أكثر يكون أهلها أوسع أحوالا وأشد رفاهية كما قدمناه قبل ومن هذا الباب تقول العامة في البلاد إذا تناقص عمرانها إنها قد ذهب رزقها حتى أن الأنهار والعيون ينقطع جريها في القفر لما أن فور العيون إنما يكون بالانباط والامتراء الذي هو بالعمل الانساني كالحال في ضروع الانعام فما لم يكن إنباط ولا امتراء نضبت وغارت بالجملة كما يجف الضرع إذا ترك امتراؤه وانظره في البلاد التي تعهد فيها العيون لأيام عمرانها ثم يأتي عليها الخراب كيف تغور مياهها جملة كأنها لم تكن والله مقدر الليل والنهار الفصل الثاني في وجوه المعاش وأصنافه ومذاهبه إعلم أن المعاش هو عبارة عن ابتغاء الرزق والسعي في تحصيله وهو مفعل من العيش كأنه لما كان العيش الذي هو الحياة لا يحصل إلا بهذه جعلت موضعا له على طريق المبالغة ثم إن تحصيل الرزق وكسبه إما أن يكون بأخذه من يد الغير وانتزاعه بالاقتدار عليه على قانون متعارف ويسمى مغرما وجباية وإما أن يكون من الحيوان الوحشي بافتراسه وأخذه برميه من البر أو البحر ويسمى اصطيادا
(٣٨٢)
مفاتيح البحث: الرزق (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»