تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٣٨١
الرزق وقد يحصل له ذلك بغير سعي كالمطر المصلح للزراعة وأمثاله إلا أنها إنما تكون معينة ولا بد من سعيه معها كما يأتي فتكون له تلك المكاسب معاشا إن كانت بمقدار الضرورة والحاجة ورياشا ومتمولا إن زادت على ذلك ثم إن ذلك الحاصل أو المقتنى إن عادت منفعته على العبد وحصلت له ثمرته من إنفاقه في مصالحه وحاجاته سمي ذلك رزقا قال صلى الله عليه وسلم إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت وإن لم ينتفع به في شئ من مصالحه ولا حاجاته فلا يسمى بالنسبة إلى المالك رزقا والمتملك منه حينئذ بسعي العبد وقدرته يسمى كسبا وهذا مثل التراث فإنه يسمى بالنسبة إلى الهالك كسبا ولا يسمى رزقا إذ لم يحصل به منتفع وبالنسبة إلى الوارثين متى انتفعوا به يسمى رزقا هذا حقيقة مسمى الرزق عند أهل السنة وقد اشترط المعتزل في تسميته رزقا أن يكون بحيث يصح تملكه وما لا يتملك عندهم لا يسمى رزقا وأخرجوا الغصوبات والحرام كله عن أن يسمى شئ منها رزقا والله تعالى يرزق الغاصب والظالم والمؤمن والكافر برحمته وهدايته من يشاء ولهم في ذلك حجج ليس هذا موضع بسطها ثم اعلم أن الكسب إنما يكون بالسعي في الاقتناء والقصد إلى التحصيل فلا بد في الرزق من سعي وعمل ولو في تناوله وابتغائه من وجوهه قال تعالى فابتغوا عند الله الرزق والسعي إليه إنما يكون باقدار الله تعالى وإلهامه فالكل من عند الله فلا بد من الاعمال الانسانية في كل مكسوب ومتمول لأنه إن كان عملا بنفسه مثل الصنائع فظاهر وإن كان مقتنى من الحيوان والنبات والمعدن فلا بد فيه من العمل الانساني كما تراه وإلا لم يحصل ولم يقع به انتفاع ثم إن الله تعالى خلق الحجرين المعدنيين من الذهب والفضة قيمة لكل متمول وهما الذخيرة والقنية لأهل العالم في الغالب وإن اقتنى سواهما في بعض الأحيان فإنما هو لقصد تحصيلهما بما يقع في غيرهما من حوالة الأسواق التي هما عنها بمعزل فهما أصل المكاسب والقنية والذخيرة وإذا تقرر هذا كله فاعلم أن ما يفيده الانسان ويقتنيه من المتمولات إن كان من الصنائع فالمفاد المقتنى منه قيمة عمله وهو القصد بالقنية إذ ليس هناك إلا العمل وليس بمقصود بنفسه للقنية وقد يكون مع الصنائع في بعضها غيرها مثل النجارة والحياكة
(٣٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 ... » »»