تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٣٦٢
وعلاج الطبخ والملابس والماعون كالغربال والآنية ولو سأل سائل مثل هذا بتلمسان أو وهران لاستنكر وعنف وزجر ويبلغنا لهذا العهد عن أحوال القاهرة ومصر من الترف والغنى في عوائدهم ما يقضى منه العجب حتى أن كثيرا من الفقراء بالمغرب ينزعون من الثقلة إلى مصر لذلك ولما يبلغهم من أن شأن الرفه بمصر أعظم من غيرها ويعتقد العامة من الناس أن ذلك لزيادة إيثار في أهل تلك الآفاق على غيرهم أو أموال مختزنة لديهم وأنهم أكثر صدقة وإيثارا من جميع أهل الأمصار وليس كذلك وإنما هو لما تعرفه من أن عمران مصر والقاهرة أكثر من عمران هذه الأمصار التي لديك فعظمت لذلك أحوالهم. وأما حال الدخل والخرج فمتكافئ في جميع الأمصار ومتى عظم الدخل عظم الخرج وبالعكس ومتى عظم الدخل والخرج اتسعت أحوال الساكن ووسع المصر كل شئ يبلغك من مثل هذا فلا تنكره واعتبره بكثرة العمران وما يكون عنه من كثرة المكاسبة التي يسهل بسببها البذل والايثار على مبتغيه ومثله بشأن الحيوانات العجم مع بيوت المدينة الواحدة وكيف تختلف أحوالها في هجرانها أو غشيانها فان بيوت أهل النعم والثروة والموائد الخصبة منها تكثر بساحتها وأقنيتها بنثر الحبوب وسواقط الفتات فيزدحم عليها غواشي النمل والخشاش ويلحق فوقها عصائب الطيور حتى تروح بطانا وتمتلئ شبعا وريا وبيوت أهل الخصاصة والفقراء الكاسدة أرزاقهم لا يسري بساحتها دبيب ولا يحلق بجوها طائر ولا تأوي إلى زوايا بيوتهم فأرة ولا هرة كما قال الشاعر تسقط الطير حيث تلتقط الحب م وتغشى * منازل الكرماء فتأمل سر الله تعالى في ذلك واعتبر غاشية الأناسي بغاشية العجم من الحيوانات وفتات الموائد بفضلات الرزق والترف وسهولتها على من يبذلها لاستغنائهم عنها في الأكثر لوجود أمثالها لديهم واعلم أن اتساع الأحوال وكثرة النعم في العمران تابع لكثرته والله سبحانه وتعالى أعلم وهو غني عن العالمين الفصل الثاني عشر في اسعار المدن إعلم أن الأسواق كلها تشتمل على حاجات الناس فمنها الضروري وهي الأقوات
(٣٦٢)
مفاتيح البحث: الرزق (1)، التصدّق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 ... » »»