المباعدة بين اهل الدولتين سرا وجهرا ولا يصل إلى أهل الدولة المستجدة خبر عن أهل الدولة المستقرة يصيبون منه غرة (1) باطنا وظاهرا لانقطاع المداخلة بين الدولتين فيقيمون على المطالبة وهم في إحجام وينكلون عن المناجزة حتى يأذن الله بزوال الدولة المستقرة وفناء عمرها ووفور الخلل في جميع جهاتها واتضح لأهل الدولة المستجدة مع ما كان يخفى منهم من هرمها وتلاشيها وقد عظمت قوتهم بما اقتطعوه من أعمالها ونقصوه من أطرافها فتنبعث هممهم يدا واحدة للمناجزة ويذهب ما كان بث في عزائمهم من التوهمات وتنتهي المطاولة إلى حدها ويقع الاستيلاء آخرا بالمعاجلة واعتبر ذلك في دولة بني العباس حين ظهورها حين قام الشيعة بخراسان بعد انعقاد الدعوة واجتماعهم على المطالبة عشر سنين أو تزيد وحينئذ تم لهم الظفر واستولوا على الدولة الأموية وكذا العلوية بطبرستان عند ظهور دعوتهم في الديلم كيف كانت مطاولتهم حتى استولوا على تلك الناحية ثم لما انقضى أمر العلوية وسما الديلم إلى ملك فارس والعراقين فمكثوا سنين كثيرة يطاولون حتى اقتطعوا أصبهان ثم استولوا على الخليفة ببغداد وكذا العبيديون أقام داعيتهم بالمغرب أبو عبد الله الشيعي ببني كتامة من قبائل البربر عشر سنين ويزيد تطاول بني الأغلب بأفريقية حتى ظفر بهم واستولوا على المغرب كله وسموا إلى ملك مصر فمكثوا ثلاثين سنة أو نحوها في طلبها يجهزون إليها العساكر والأساطيل في كل وقت ويجئ المدد لمدافعتهم برا وبحرا من بغداد والشام وملكوا الإسكندرية والفيوم والصعيد وتخطت دعوتهم من هنالك إلى الحجاز وأقيمت بالحرمين ثم نازل قائدهم جوهر الكاتب بعساكره مدينة مصر واستولى عليها واقتلع دوله بني طغج من أصولها واختط القاهرة فجاء الخليفة بعد المعز لدين الله فنزلها لستين سنة أو نحوها منذ استيلائهم على الإسكندرية وكذا السلجوقية ملوك الترك لما استولوا على بني ساسان وأجازوا من وراء النهر مكثوا نحوا من ثلاثين سنة يطاولون بني سبكتكين بخراسان حتى استولوا على دولته ثم زحفوا إلى بغداد فاستولوا عليها وعلى الخليفة بها بعد أيام من الدهر وكذا التتر من بعدهم خرجوا من المفازة عام سبعة عشر وستمائة فلم يتم لهم الاستيلاء إلا بعد أربعين سنة وكذا أهل المغرب خرج به المرابطون من
(٣٠٠)