الفصل الثامن والأربعون في حدوث الدولة وتجددها كيف يقع إعلم أن نشأة الدول وبدائتها إذا أخذت الدولة المستقرة في الهرم والانتقاص تكون على نوعين إما بأن يستبد ولاة الاعمال في الدولة بالقاصية عندما يتقلص ظلها عنهم فيكون لكل واحد منهم دولة يستجدها لقومه وما يستقر في نصابه يرثه عنه أبناؤه أو مواليه ويستفحل لهم الملك بالتدريج وربما يزدحمون على ذلك الملك ويتقارعون عليه ويتنازعون في الاستئثار به ويغلب منهم من يكون له فضل قوة على صاحبه وينتزع ما في يده كما وقع في دولة بني العباس حين أخذت دولتهم في الهرم وتقلص ظلها عن القاصية واستبد بنو ساسان بما وراء النهر وبنو حمدان بالموصل والشام وبنو طولون بمصر وكما وقع بالدولة الأموية بالأندلس وافترق ملكها في الطوائف الذين كانوا ولاتها في الاعمال وانقسمت دولا وملوكا أورثوها من بعدهم من قرابتهم أو مواليهم وهذا النوع لا يكون بينهم وبين الدولة المستقرة حربا لأنهم مستقرون في رئاستهم ولا يطمعون في الاستيلاء على الدولة المستقرة بحرب وإنما الدولة أدركها الهرم وتقلص ظلها عن القاصية وعجزت عن الوصول إليها والنوع الثاني بان يخرج على الدولة خارج ممن يجاورها من الأمم والقبائل إما بدعوة يحمل الناس عليها كما أشرنا إليه أو يكون صاحب شوكة وعصبية كبيرا في قومه قد استفحل أمره فيسمو بهم إلى الملك وقد حدثوا به أنفسهم بما حصل لهم من الاعتزاز على الدولة المستقرة وما نزل بها من الهرم فيتعين له ولقومه الاستيلاء عليها ويمارسونها بالمطالبة إلى أن يظفروا با ويزنون (1) كما يتبين والله سبحانه وتعالى أعلم الفصل التاسع والأربعون في أن الدولة المستجدة انما تستولي على الدولة المستقرة بالمطاولة لا بالمناجزة قد ذكرنا أن الدول الحادثة المتجددة نوعان نوع من ولاية الأطراف إذا تقلص ظل الدولة عنهم وانحسر تيارها وهؤلاء لا يقع منهم مطالبة للدولة في الأكثر كما قدمناه لان قصاراهم القنوع بما في أيديهم وهو نهاية قوتهم والنوع الثاني نوع
(٢٩٨)