لمتونة على ملوكه من مغراوة فطاولوهم سنين ثم استولوا عليه ثم خرج الموحدون بدعوتهم على لمتونة فمكثوا نحوا من ثلاثين سنة يحاربونهم حتى استولوا على كرسيهم بمراكش وكذا بنو مرين من زناتة خرجوا على الموحدين فمكثوا يطاولونهم نحوا من ثلاثين سنة واستولوا على فاس واقتطعوها وأعمالها من ملكهم ثم أقاموا في محاربتهم ثلاثين أخرى حتى استولوا على كرسيهم بمراكش حسبما نذكر ذلك كله في تواريخ هذه الدول فهكذا حال الدول المستجدة مع المستقرة في المطالبة والمطاولة سنة الله في عباده ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا يعارض ذلك بما وقع في الفتوحات الاسلامية وكيف كان استيلاؤهم على فارس والروم لثلاث أو أربع من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واعلم أن ذلك إنما كان معجزة من معجزات نبينا سرها استماتة المسلمين في جهاد عدوهم استبعادا بالايمان وما أوقع الله في قلوب عدوهم من الرعب والتخاذل فكان ذلك كله خارقا للعادة المقررة في مطاولة الدول المستجدة للمستقرة وإذا كان ذلك خارقا فهو من معجزات نبينا صلوات الله عليه المتعارف ظهورها في الملة الاسلامية والمعجزات لا يقاس عليها الأمور العادية ولا يعترض بها والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق الفصل الخمسون في وفور العمران اخر الدولة وما يقع فيها من كثرة الموتان والمجاعات إعلم أنه قد تقرر لك فيما سلف أن الدولة في أول أمرها لابد لها من الرفق في ملكتها والاعتدال في إيالتها إما من الدين إن كانت الدعوة دينية أو من المكارمة والمحاسنة التي تقتضيها البداوة الطبيعية للدول وإذا كانت الملكة رفيقة محسنة انبسطت آمال الرعايا وانتشطوا للعمران وأسبابه فتوفر ويكثر التناسل وإذا كان ذلك كله بالتدريج فإنما يظهر أثره بعد جيل أو جيلين في الأقل وفي انقضاء الجيلين تشرف الدولة على نهاية عمرها الطبيعي فيكون حينئذ العمران في غاية الوفور والنماء ولا تقولن إنه قد مر لك أن أواخر الدولة يكون فيها الاجحاف بالرعايا وسوء الملكة فذلك صحيح ولا يعارض ما قلناه لان الاجحاف وإن حدث حينئذ وقلت الجبايات فإنما يظهر أثره في تناقص العمران بعد حين من أجل التدريج
(٣٠١)