إليه وحكمه فيهم تارة يكون مستندا إلى شرع منزل من عند الله يوجب انقيادهم إليه إيمانهم بالثواب والعقاب عليه الذي جاء به مبلغه وتارة إلى سياسة عقلية يوجب انقيادهم إليها ما يتوقعونه من ثواب ذلك الحاكم بعد معرفته بمصالحهم فالأولى يحصل نفعها في الدنيا والآخرة لعلم الشارع بالمصالح في العاقبة ولمراعاته نجاة العباد في الآخرة والثانية إنما يحصل نفعها في الدنيا فقط وما تسمعه من السياسة المدنية فليس من هذا الباب وإنما معناه عند الحكماء ما يجب أن يكون عليه كل واحد من أهل ذلك المجتمع في نفسه وخلقه حتى يستغنوا عن الحكام رأسا ويسمون المجتمع الذي يحصل فيه ما يسمى من ذلك بالمدينة الفاصلة والقوانين المراعاة في ذلك بالسياسة المدنية وليس مرادهم السياسة التي يحمل عليها أهل الاجتماع بالمصالح العامة فإن هذه غير تلك وهذه المدينة الفاصلة عندهم نادرة أو بعيدة الوقوع وإنما يتكلمون عليها على جهة الفرض والتقدير ثم إن السياسة العقلية التي قدمناها تكون على وجهين أحدهما يراعى فيها المصالح على العموم ومصالح السلطان في استقامة ملكه على الخصوص وهذه كانت سياسة الفرس وهي على جهة الحكمة وقد أغنانا الله تعالى عنها في الملة ولعهد الخلافة لان الأحكام الشرعية مغنية عنها في المصالح العامة والخاصة وأحكام الملك مندرجة فيها. الوجه الثاني أن يراعى فيها مصلحة السلطان وكيف يستقيم له الملك مع القهر والاستطالة وتكون المصالح العامة في هذه تبعا وهذه السياسة التي يحمل عليها أهل الاجتماع التي لسائر الملوك في العالم من مسلم وغيره إلا أن ملوك المسلمين يجرون منها على ما تقتضيه الشريعة الاسلامية بحسب جهدهم فقوانينها إذا مجتمعة من أحكام شرعية وآداب خلقية وقوانين في الاجتماع طبيعية وأشياء من مراعاة الشوكة والعصبية ضرورية والاقتداء فيها بالشرع أولا ثم الحكماء في آدابهم والملوك في سيرهم ومن أحسن ما كتب في ذلك وأودع كتاب طاهر بن الحسين لابنه عبد الله بن طاهر لما ولاه المأمون الرقة ومصر وما بينهما فكتب إليه أبوه طاهر كتابه المشهور عهد إليه فيه ووصاه بجميع ما يحتاج إليه في دولته وسلطانه من الآداب الدينية والخلقية والسياسة الشرعية والملوكية وحثه على مكارم الاخلاق ومحاسن الشيم بما لا يستغني عنه ملك
(٣٠٣)